الفائدة الخامسة ، وهي من أكبر الفوائد كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء فإن ، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه وكما أنك لا تملك الدابة الجموح إلا بضعف الجوع فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس كما قيل لبعضهم : ما بالك مع كبرك لا تتعهد بدنك . منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى
وقد انهد فقال لأنه سريع المرح فاحش الأشر ؛ فأخاف أن يجمح بي فيورطني فلأن أحمله على الشدائد أحب إلي من أن يحملني على الفواحش وقال ذو النون ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية وقالت رضي الله عنها : أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبع . عائشة
إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا وهذه ليست فائدة واحدة ، بل هي خزائن الفوائد ولذلك قيل : الجوع خزانة من خزائن الله تعالى وأقل ، فإن الجائع لا يتحرك عليه شهوة فضول الكلام ، فيتخلص به من آفات اللسان كالغيبة والفحش والكذب والنميمة وغيرها فيمنعه الجوع من كل ذلك وإذا شبع افتقر إلى فاكهة فيتفكه لا محالة بأعراض الناس ، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم . ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام
وأما شهوة الفرج فلا تخفى غائلتها ، والجوع يكفي شرها وإذا شبع الرجل لم يملك فرجه ، وإن منعته التقوى فلا يملك عينه ، فالعين تزني ، كما أن الفرج يزني فإن ملك عينه بغض الطرف ، فلا يملك فكره ، فيخطر له من الأفكار الرديئة ، وحديث النفس بأسباب الشهوة ما يتشوش به مناجاته وربما عرض له ذلك في أثناء الصلاة .
وإنما ذكرنا آفة اللسان والفرج مثالا ، وإلا فجميع معاصي الأعضاء السبعة سببها القوة الحاصلة بالشبع ، قال حكيم كل مريد صبر على السياسة فيصبر على الخبز البحت سنة لا يخلط به شيئا من الشهوات ويأكل في نصف بطنه رفع الله عنه مؤنة النساء .