وقال أبو سليمان إن الله عز وجل اطلع على قلوب الآدميين فلم يجد قلبا أشد تواضعا من قلب موسى عليه السلام فخصه من بينهم بالكلام .
وقال يونس بن عبيد وقد انصرف من عرفات : لم أشك في الرحمة لولا أني كنت معهم ؛ إني أخشى أنهم حرموا بسببي .
ويقال : أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسه ، وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه.
وقال زياد النمري الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر .
وقال مالك بن دينار لو أن مناديا ينادي بباب المسجد : ليخرج شركم رحلا ، والله ما كان أحد يسبقني إلى الباب إلا رجلا بفضل قوة أو سعى قال فلما بلغ ابن المبارك قوله قال : بهذا صار مالك مالكا .
وقال الفضيل من أحب الرياسة لم يفلح أبدا .
وقال موسى بن القاسم كانت عندنا زلزلة وريح حمراء ، فذهبت إلى محمد بن مقاتل فقلت : يا أبا عبد الله أنت إمامنا فادع الله عز وجل لنا فبكى ، ثم قال : ليتني لم أكن سبب هلاككم ، قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال : إن الله عز وجل رفع عنكم بدعاء محمد بن مقاتل .
وجاء رجل إلى الشبلي رحمه الله فقال له : ما أنت ? وكان هذا دأبه وعادته فقال : أنا النقطة التي تحت الباء فقال له الشبلي : أباد الله شاهدك أو تجعل لنفسك موضعا .
وقال الشبلي في بعض كلامه ذلي عطل ذل اليهود .
ويقال : من يرى لنفسه قيمة فليس له من التواضع نصيب .
وعن أبي الفتح بن شخرف قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام ، فقلت له : يا أبا الحسن ، عظني ، فقال لي : ما أحسن التواضع بالأغنياء في مجالس الفقراء ؛ رغبة منهم في ثواب الله ! وأحسن من : تيه الفقراء على الأغنياء ثقة منهم بالله عز وجل وقال أبو سليمان لا يتواضع العبد حتى يعرف نفسه .
وقال أبو يزيد ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر فقيل له فمتى : يكون متواضعا قال : إذا لم ير لنفسه مقاما ولا حالا وتواضع كل إنسان على قدر معرفته بربه عز وجل ومعرفته بنفسه .
وقال أبو سليمان: لو اجتمع الخلق على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا عليه .
وقال عروة بن الورد : التواضع أحد مصايد الشرف وكل نعمة محسود عليها صاحبها إلا التواضع .
وقال يحيى بن خالد البرمكي الشريف إذا تنسك تواضع والسفيه إذا تنسك تعاظم .
وقال يحيى بن معاذ التكبر على ذي التكبر عليك بماله تواضع ويقال : التواضع في الخلق كلهم حسن ، وفي الأغنياء أحسن والتكبر ، في الخلق كلهم قبيح ، وفي الفقراء أقبح ويقال : لا عز إلا لمن تذلل لله عز وجل ولا رفعة إلا لمن تواضع لله عز وجل ولا أمن إلا لمن خاف الله عز وجل ولا ربح إلا لمن ابتاع نفسه من الله عز وجل .
وقال أبو علي الجوزجاني النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة وإذا أراد الله تعالى به خيرا لطف به في ذلك ، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النصيحة مع توفيق الله عز وجل ، وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عز وجل .
وعن الجنيد رحمه الله أنه كان يقول يوم الجمعة في مجلسه : لولا أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يكون في آخر الزمان زعيم القوم أرذلهم .
ما تكلمت عليكم وقال الجنيد أيضا التواضع عند أهل التوحيد تكبر ولعل مراده أن التواضع يثبت نفسه ، ثم يضعها ، والموحد لا يثبت نفسه ولا يراها شيئا حتى يضعها أو يرفعها .
وعن عمرو بن شيبة قال : كنت بمكة بين الصفا والمروة ، فرأيت رجلا راكبا بغلة ، وبين يديه غلمان ، وإذا هم يعنفون الناس ، قال : ثم عدت بعد حين ، فدخلت بغداد ، فكنت على الجسر فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر قال فجعلت أنظر إليه وأتأمله فقال لي ما لك : تنظر إلي ? فقلت له : شبهتك برجل رأيته بمكة ، ووصفت له الصفة ، فقال له : أنا ذلك الرجل ، فقلت : ما فعل الله بك ? فقال : إني ترفعت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني الله حيث يترفع الناس .
وقال المغيرة كنا نهاب إبراهيم النخعي هيبة الأمير وكان يقول : إن زمانا صرت فيه فقيه الكوفة لزمان سوء .
وكان عطاء السلمي إذا سمع صوت الرعد قام وقعد وأخذه بطنه كأنه امرأة ماخض وقال : هذا من أجلي يصيبكم ، لو مات عطاء لاستراح الناس .
وكان بشر الحافي يقول سلموا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم .
ودعا رجل لعبد الله بن المبارك فقال : أعطاك الله ما ترجوه ، فقال إن الرجاء يكون بعد المعرفة ، فأين المعرفة ؟ وتفاخرت قريش عند سلمان الفارسي رضي الله عنه يوما فقال سلمان لكنني خلقت من نطفة قذرة ، ثم أعود جيفة منتنة ، ثم آتي الميزان فإن ثقل فأنا كريم ، وإن خف فأنا لئيم وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : وجدنا الكرم في التقوى ، والغنى في اليقين ، والشرف في التواضع نسأل الله الكريم حسن التوفيق .


