وفرقة أخرى ليمحوا الصفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد والرياء وطلب الرياسة والعلاء وإرادة السوء للأقران والنظراء ، وطلب الشهرة في البلاء والعباد ، وربما لم يعرف بعضهم أن ذلك مذموم ، فهو مكب عليها غير متحرز عنها ، ولا يلتفت إلى قوله صلى الله عليه وسلم : أحكموا العلم والعمل ، فواظبوا على الطاعات الظاهرة ، وتركوا المعاصي إلا أنهم لم يتفقدوا قلوبهم
» وإلى قوله عليه السلام : « أدنى الرياء شرك . . . « لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر »
وإلى قوله صلى الله عليه وسلم : . . « الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب »
وإلى قوله عليه السلام : « حب الشرف والمال ينبتان النفاق كما ينبت الماء البقل .
إلى غير ذلك من الأخبار التي أوردناها في جميع ربع المهلكات في الأخلاق المذمومة .
فهؤلاء زينوا ظواهرهم وأهملوا بواطنهم، ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .
» فتعهدوا الأعمال وما تعهدوا ، القلوب ، والقلب هو الأصل إذ لا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم .
ومثال هؤلاء كبئر الحش ظاهرها جص وباطنها نتن ، أو كقبور الموتى ظاهرها مزين وباطنها جيفة ، أو كبيت مظلم باطنه ، وضع سراج على سطحه فاستنار ظاهره ، وباطنه مظلم أو كرجل قصد الملك ضيافته إلى داره فجصص باب داره ، وترك المزابل في صدر داره ، ولا يخفى أن ذلك غرور ، بل أقرب مثال إليه رجل زرع زرعا فنبت ، ونبت معه حشيش يفسده ، فأمر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه من أصله فأخذ يجز رءوسه وأطرافه فلا تزال تقوى أصوله فتنبت لأن مغارس المعاصي هي الأخلاق الذميمة في القلب فمن لا يطهر القلب منها لا تتم له الطاعات الظاهرة ، إلا مع الآفات الكثيرة .
بل هو كمريض ظهر به الجرب وقد أمر بالطلاء وشرب الدواء فالطلاء ليزيل ما على ظاهره ، والدواء ليقطع مادته من باطنه فقنع بالطلاء وترك ، الدواء ، وبقي يتناول ما يزيد في المادة فلا يزال يطلي الظاهر والجرب دائم به يتفجر من المادة التي في الباطن .