أنه لو أخطأ فرد عليه بين يدي الخلق غضب فإذا أنكر على نفسه ما وجده من الغضب بادر الشيطان ، فخيل إليه أن ذلك غضب لله لأنه إذا لم يحسن اعتقاد المريدين فيه انقطعوا عن طريق الله ، فوقع في الغرور فربما أخرجه ذلك إلى الوقيعة فيمن رد عليه فوقع في الغيبة المحظورة بعد تركه الحلال المتسع ، ووقع في الكبر الذي هو تمرد عن قبول الحق والشكر عليه بعد أن يحذر من طوارق الخطرات وكذلك إذا سبقه الضحك أو فتر عن بعض الأوراد جزعت النفس أن يطلع عليه فيسقط قبوله فأتبع ذلك بالاستغفار ، وتنفس الصعداء . وأمارة انتشار الطبع وركون النفس إلى الشيطان
وربما زاد في الأعمال والأوراد لأجل ذلك والشيطان يخيل إليه إنك إنما تفعل ذلك كيلا يفتر رأيهم عن طريق الله ، فيتركون الطريق بتركه ، وإنما ذلك خدعة وغرور ، بل هو جزع من النفس خيفة فوت الرياسة ولذلك لا تجزع نفسه من اطلاع الناس على مثل ذلك من أقرانه بل ربما يحب ذلك ، ويستبشر به ، ولو ظهر من أقرانه من مالت القلوب إلى قبوله ، وزاد أثر كلامه في القبول على كلامه شق ذلك عليه ، ولولا أن النفس قد استبشرت واستلذت الرياسة ، لكان يغتنم ذلك ; إذ مثاله أن يرى الرجل جماعة من إخوانه قد وقعوا في بئر وتغطى .
، رأس البئر بحجر كبير فعجزوا عن الرقي من البئر بسببه فرق قلبه لإخوانه ، فجاء ليرفع الحجر من رأس البئر فشق عليه فجاءه من أعانه على ذلك حتى تيسر عليه أو كفاه ذلك ونحاه ، بنفسه فيعظم بذلك فرحه لا محالة ، إذ غرضه خلاص إخوانه من البئر ، فإن كان غرض الناصح خلاص إخوانه المسلمين من النار ، فإذا ظهر من أعانه أو كفاه ذلك لم يثقل عليه أرأيت لو اهتدوا جميعهم من أنفسهم أكان ينبغي أنه يثقل ذلك عليه إن كان غرضه هدايتهم ، فإذا اهتدوا بغيره فلم يثقل عليه ، ومهما وجد ذلك في نفسه دعاه الشيطان إلى جميع كبائر القلوب وفواحش الجوارح وأهلكه فنعوذ بالله من زيغ القلوب بعد الهدى ، ومن اعوجاج النفس بعد الاستواء .