ومن كان بين خطرين عظيمين أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير رينا وطبعا ، فلا يقبل المحو ، الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو ; ولذلك ورد في الخبر ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف إن أكثر صياح أهل النار من التسويف فما هلك من هلك إلا بالتسويف فيكون تسويده القلب نقدا وجلاؤه بالطاعة نسيئة إلى أن يختطفه الموت فيأتي الله بقلب غير سليم ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم فالقلب ، أمانة الله تعالى عند عبده ، والعمر أمانة الله عنده ، وكذا سائر أسباب الطاعة ، فمن خان في الأمانة ، ولم يتدارك خيانته فأمره مخطر .
قال بعض العارفين إن لله تعالى إلى عبده سرين يسرهما إليه على سبيل الإلهام أحدهما إذا خرج من بطن أمه يقول له : عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهرا نظيفا ، واستودعتك عمرك ، وائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة ، وانظر إلى كيف تلقاني والثاني عند خروج روحه يقول : عبدي ماذا صنعت في أمانتي عندك ? هل حفظتها حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب وإليه ، الإشارة بقوله تعالى وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وبقوله تعالى : والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون .