ومنها واعتداد التمكن من ذلك نعمة ، والغفلة عن كونه سبب الشقاوة فكلما غلبت حلاوة الصغيرة عند العبد كبرت الصغيرة ، وعظم أثرها في تسويد قلبه حتى إن من المذنبين من يتمدح بذنبه ويتبجح ، به لشدة فرحه بمقارفته إياه . السرور بالصغيرة والفرح والتبجح بها
كما يقول : أما رأيتني كيف مزقت عرضه ? ويقول المناظر في مناظرته : أما رأيتني كيف فضحته وكيف ذكرت مساويه حتى أخجلته وكيف استخففت به ، وكيف لبست عليه ويقول المعامل في التجارة : أما رأيت كيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته ، وكيف غبنته في ماله ، وكيف استحمقته ، فهذا وأمثاله تكبر به الصغائر فإن الذنوب مهلكات وإذا دفع العبد إليها ، وظفر الشيطان به في الحمل عليها ، فينبغي أن يكون في مصيبة وتأسف بسبب غلبة العدو عليه وبسبب بعده من الله تعالى ، فالمريض الذي يفرح بأن ينكسر إناؤه الذي فيه دواؤه حتى يتخلص من ألم شربه لا يرجى شفاؤه ومنها أن يتهاون بستر الله عليه وحلمه ، عنه ، وإمهاله إياه ، ولا يدري أنه إنما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما ، فيظن أن تمكنه من المعاصي عناية من الله تعالى به ، فيكون ذلك لأمنه من مكر الله ، وجهله بمكامن الغرور بالله كما قال تعالى : ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ومنها أن بأن يذكره بعد إتيانه أو يأتيه في مشهد غيره فإن ذلك جناية منه على ستر الله الذي سدله عليه ، وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه ، وتهيئة الأسباب له صارت جناية رابعة ، وتفاحش الأمر ، وفي الخبر : يأتي الذنب ويظهره يبيت أحدهم على ذنب قد ستره الله عليه ، فيصبح فيكشف ستر الله ، ويتحدث بذنبه وهذا ; لأن من صفات الله ونعمه أنه يظهر الجميل ، ويستر القبيح ، ولا يهتك الستر فالإظهار كفران لهذه النعمة وقال بعضهم : لا تذنب فإن كان ولا بد ، فلا ترغب غيرك فيه ، فتذنب ذنبين ولذلك قال تعالى : « كل الناس معافى إلا المجاهرين » المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف وقال بعض السلف : ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية ، ثم يهونها عليه ومنها كلبس العالم الإبريسم وركوبه مراكب الذهب وأخذه مال الشبهة من أموال السلاطين ودخوله على السلاطين ، وتردده عليهم ومساعدته إياهم بترك الإنكار عليهم وإطلاق اللسان في الأعراض ، وتعديه باللسان في المناظرة ، وقصده الاستخفاف واشتغاله من العلوم بما لا يقصد منه إلا الجاه ، كعلم الجدل والمناظرة ، فهذه ذنوب يتبع العالم عليها ، فيموت العالم ويبقى شره مستطيرا في العالم آمادا متطاولة فطوبى لمن إذا مات ماتت ذنوبه معه وفي الخبر : من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، لا ينقص من أوزارهم شيئا قال تعالى : ونكتب ما قدموا وآثارهم والآثار ما يلحق من الأعمال بعد انقضاء العمل والعامل ، وقال أن يكون المذنب عالما يقتدى به ، فإذا فعله بحيث يرى ذلك منه كبر ذنبه ويل للعالم من الاتباع ، يزل زلة فيرجع عنها ، ويحملها الناس فيذهبون بها في الآفاق وقال بعضهم : مثل زلة العالم مثل انكسار السفينة تغرق ، ويغرق أهلها وفي الإسرائيليات أن : عالما كان يضل الناس بالبدعة ، ثم أدركته توبة فعمل في الإصلاح دهرا فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له : إن ذنبك لو كان فيما بيني وبينك لغفرته لك ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فأدخلتهم النار فبهذا يتضح أن أمر العلماء مخطر فعليهم وظيفتان : إحداهما ترك الذنب والأخرى إخفاؤه وكما تتضاعف أوزارهم على الذنوب فكذلك يتضاعف ثوابهم على الحسنات إذا اتبعوا فإذا ترك التجمل والميل إلى الدنيا وقنع منها باليسير ومن الطعام بالقوت ومن الكسوة بالخلق فيتبع عليه ، ويقتدي به العلماء والعوام فيكون له مثل ثوابهم وإن مال إلى التجمل مالت طباع من دونه إلى التشبه به ولا يقدرون على التجمل إلا بخدمة السلاطين . ابن عباس
وجمع الحطام من الحرام ويكون هو السبب في جميع ذلك فحركات العلماء في طوري الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها إما بالربح وإما بالخسران وهذا ، القدر كاف في تفاصيل الذنوب التي التوبة توبة عنها .