الطبقة الثانية وترك كبائر الفواحش كلها إلا أنه ليس ينفك عن ذنوب تعتريه لا عن عمد وتجريد قصد ولكن يبتلى بها في مجاري أحواله من غير أن يقدم عزما على الإقدام عليها ولكنه كلما أقدم عليها لام نفسه وندم وتأسف وجدد عزمه على أن يتشمر للاحتراز من أسبابها التي تعرضه لها وهذه ، النفس جديرة بأن تكون هي النفس اللوامة إذ تلوم صاحبها على ما تستهدف له من الأحوال الذميمة لا عن تصميم عزم وتخمين رأي وقصد وهذه أيضا رتبة عالية ، وإن كانت نازلة عن الطبقة الأولى وهي أغلب أحوال التائبين لأن الشر معجون بطينة الآدمي ، قلما ينفك عنه وإنما غاية سعيه أن يغلب خيره شره حتى يثقل ميزانه فترجح ، كفة الحسنات ; فأما أن تخلو بالكلية كفة السيئات فذلك في غاية البعد ، وهؤلاء لهم حسن الوعد من الله تعالى ; إذ قال تعالى : تائب سلك طريق الاستقامة في أمهات الطاعات الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة ، فكل إلمام يقع بصغيرة لا عن توطين نفسه عليه فهو جدير بأن يكون من اللمم المعفو عنه ، قال تعالى : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم فأثنى عليهم مع ظلمهم لأنفسهم لتندمهم ، ولومهم أنفسهم عليه ، وإلى مثل هذه الرتبة الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه كرم الله وجهه : علي وفي خبر آخر : « خياركم كل مفتن تواب » وفي الخبر : « المؤمن كالسنبلة يفيء أحيانا ، ويميل أحيانا لا بد للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة ، أي : الحين بعد الحين فكل ذلك أدلة قاطعة على أن هذا القدر لا ينفض التوبة ، ولا يلحق صاحبها بدرجة المصرين ومن يؤيس مثل هذا عن درجة التائبين كالطبيب الذي يؤيس الصحيح عن دوام الصحة بما يتناوله من الفواكه ، والأطعمة الحارة مرة بعد أخرى من غير مداومة واستمرار وكالفقيه الذي يؤيس المتفقه عن نيل درجة الفقهاء بفتوره عن التكرار والتعليق في أوقات نادرة غير متطاولة ، ولا كثيرة وذلك يدل على نقصان الطبيب والفقيه بل الفقيه في الدين هو الذي لا يؤيس الخلق عن درجات السعادات بما يتفق لهم من الفترات ومقارفة السيئات المختطفات ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : آدم خطاءون وخير الخطائين التوابون المستغفرون . كل بني
وقال أيضا: أي: واه بالذنوب راقع بالتوبة والندم وقال تعالى المؤمن واه راقع، فخيرهم من مات على رقعة أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة فما وصفهم بعدم السيئة أصلا .