وأما الظالم المغرور فاستشعر في نفسه خيلاء الفطنة لهذه الدقيقة ، ثم فأسعف الشيطان وتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاركة والموافقة كما قيل وافق شن طبقه ، وافقه فاعتنقه وأما المقتصد فلم يقدر على إرغامه بإشراك القلب في العمل ، وتفطن لنقصان حركة اللسان بالإضافة إلى القلب ، ولكن اهتدى إلى كماله بالإضافة إلى السكوت والفضول فاستمر عليه ، وسأل الله تعالى أن عجز عن الإخلاص بالقلب ، فترك مع ذلك تعويد اللسان بالذكر فكان السابق كالحائك الذي ذمت حياكته فتركها ، وأصبح كاتبا ، والظالم المتخلف كالذي ترك الحياكة أصلا ، وأصبح كناسا والمقتصد كالذي عجز عن الكتابة فقال : لا أنكر مقدمة الحياكة ، ولكن الحائك مذموم بالإضافة إلى الكاتب لا بالإضافة إلى الكناس ، فإذا عجزت عن الكتابة فلا أترك الحياكة ; ولذلك قالت يشرك القلب مع اللسان في اعتياد الخير ، رابعة العدوية استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير فلا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث أنه ذكر الله بل تذم غفلة القلب ، فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه ، لا من حركة لسانه ، فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضا احتاج إلى استغفارين لا إلى استغفار واحد ، فهكذا ينبغي أن تفهم ذم ما يذم ، وحمد ما يحمد ، وإلا جهلت معنى ما قال القائل الصادق : حسنات الأبرار سيئات المقربين فإن هذه أمور تثبت بالإضافة فلا ينبغي أن تؤخذ من غير إضافة ، بل ينبغي أن لا تستحقر ذرات الطاعات والمعاصي ; ولذلك قال جعفر الصادق إن الله تعالى خبأ ثلاثا في ثلاث رضاه في طاعته ، فلا تحقروا منها شيئا فلعل رضاه فيه وغضبه في معاصيه فلا تحقروا منها شيئا فلعل غضبه فيه وخبأ ولايته في عباده ، فلا تحقروا منهم أحدا فلعله ولي الله تعالى وزاد وخبأ إجابته في دعائه ، فلا تتركوا الدعاء فربما كانت الإجابة فيه .