الأصل الثاني : الصبر ، ووجه الحاجة إليه أن المريض إنما يطول مرضه لتناوله ما يضره وإنما يتناول ذلك إما لغفلته عن مضرته ، وإما لشدة غلبة شهوته ، فله سببان فما ذكرناه هو علاج الغفلة فيبقى وطريق علاجها قد ذكرناه في كتاب رياضة النفس وحاصله أن المريض إذا اشتدت ضراوته لمأكول مضر فطريقه أن يستشعر عظم ضرره ، ثم يغيب ذلك عن عينه فلا يحضره ثم يتسلى عنه بما يقرب منه في صورته ولا يكثر ضرره ، ثم يصبر بقوة الخوف على الألم الذي يناله في تركه فلا بد على كل حال من مرارة الصبر ، فكذلك يعالج الشهوة في المعاصي ; كالشاب مثلا إذا غلبته الشهوة فصار لا يقدر على حفظ عينه ، ولا حفظ قلبه أو ، حفظ جوارحه في السعي وراء شهوته فينبغي أن يستشعر ضرر ذنبه بأن يستقري المخلوقات التي جاءت فيه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإذا اشتد خوفه تباعد من الأسباب المهيجة لشهوته ، ومهيج الشهوة من خارج هو حضور المشتهى والنظر إليه ، وعلاجه الهرب والعزلة ومن داخل تناول لذائذ الأطعمة ، وعلاجه الجوع والصوم الدائم ، وكل ذلك لا يتم إلا بصبر ، ولا يصبر إلا عن خوف ، ولا يخاف إلا عن علم ، ولا يعلم إلا عن بصيرة وافتكار ، أو عن سماع وتقليد فأول الأمر حضور مجالس الذكر ، ثم الاستماع من قلب مجرد عن سائر الشواغل مصروف إلى السماع ، ثم التفكر فيه لتمام الفهم ، وينبعث من تمامه لا محالة خوفه ، وإذا قوي الخوف تيسر بمعونته الصبر ، وانبعثت الدواعي لطلب العلاج وتوفيق الله وتيسيره من وراء ذلك فمن أعطي من قلبه حسن الإصغاء واستشعر الخوف فاتقى وانتظر الثواب ، وصدق بالحسنى فسييسره الله تعالى لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره الله للعسرى فلا يغني عنه ما اشتغل به من ملاذ الدنيا مهما هلك وتردى وما على الأنبياء إلا شرح طرق الهدى وإنما لله الآخرة والأولى . علاج الشهوة ،