فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين . فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة ،
فإن ترك الأفعال المشتهاة عمل يثمره حال يسمى الصبر ، وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة ، وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة الشهوات ومضاداتها ، لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة ، فإذا قوي يقينه ، أعني المعرفة التي تسمى إيمانا ، وهو اليقين بكون الشهوة عدوا قاطعا لطريق الله تعالى ، قوي ثبات باعث الدين ، وإذا قوي ثباته تمت الأفعال على خلاف ما تتقاضاه الشهوة ، فلا يتم ترك الشهوة إلا بقوة باعث الدين المضاد لباعث الشهوة ، وقوة المعرفة والإيمان تقبح مغبة الشهوات وسوء عاقبتها وهذان الملكان هما المتكفلان بهذين الجندين بإذن الله تعالى وتسخيره إياهما وهما من الكرام الكاتبين ، وهما الملكان الموكلان بكل شخص من الآدميين وإذا عرفت أن رتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوي لم يخف عليك أن جانب اليمين هو أشرف الجانبين من جنبتي الدست الذي ينبغي أن يكون مسلما له فهو إذا صاحب اليمين والآخر صاحب الشمال .
وللعبد طوران في الغفلة والفكر ، وفي الاسترسال والمجاهدة ، فهو بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب أعراضه سيئة ، وبالفكر مقبل عليه ليستفيد منه الهداية ، فهو به محسن فيكتب إقباله له حسنة ، وكذا بالاسترسال هو ، معرض عن صاحب اليسار تارك للاستمداد منه ، فهو به مسيء إليه فيثبت عليه سيئة ، وبالمجاهدة مستمد من جنوده فيثبت له به حسنة ، وإنما ثبتت هذه الحسنات والسيئات بإثباتهما ، فلذلك سميا كراما كاتبين .
أما الكرام فلانتفاع العبد بكرمهما ، ولأن الملائكة كلهم كرام بررة .