والهول الأول هو هول ولجميع أهوال القيامة الكبرى نظير في القيامة ، الصغرى مثل زلزلة الأرض مثلا فإن أرضك الخاصة بك تزلزل في الموت : فإنك تعلم أن الزلزلة إذا نزلت ببلدة صدق أن يقال قد زلزلت أرضهم ، وإن لم تزلزل البلاد المحيطة بها ، بل لو زلزل مسكن الإنسان وحده فقد حصلت الزلزلة في حقه ؛ لأنه إنما يتضرر عند زلزلة جميع الأرض بزلزلة مسكنه لا بزلزلة مسكن غيره ، فحصته من الزلزلة قد توفرت من غير نقصان . واعلم أنك أرضي مخلوق من التراب ، وحظك الخاص من التراب بدنك فقط ، فأما بدن غيرك فليس بحظك ، والأرض التي أنت جالس عليها بالإضافة إلى بدنك ظرف ومكان وإنما تخاف من تزلزله أن يتزلزل بدنك بسببه ، وإلا فالهواء أبدا متزلزل وأنت لا تخشاه إذ ليس يتزلزل به بدنك فحظك من زلزلة الأرض كلها زلزلة بدنك فقط ، فهي أرضك وترابك الخاص بك وعظامك جبال أرضك ورأسك سماء أرضك وقلبك شمس أرضك وسمعك وبصرك وسائر حواسك نجوم سمائك ومفيض العرق من بدنك بحر أرضك وشعورك نبات أرضك وأطرافك أشجار أرضك : وهكذا إلى جميع أجزائك فإذا انهدم بالموت أركان بدنك فقد زلزلت الأرض زلزالها : فإذا انفصلت العظام من اللحوم فقد حملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ، فإذا رمت العظام فقد نسفت الجبال نسفا فإذا أظلم قلبك عند الموت فقد كورت الشمس تكويرا فإذا بطل سمعك وبصرك وسائر حواسك فقد انكدرت النجوم انكدارا فإذا انشق دماغك فقد انشقت السماء انشقاقا فإذا انفجرت من هول الموت عرق جبينك فقد فجرت البحار تفجيرا ، فإذا التفت إحدى ساقيك بالأخرى وهما مطيتاك فقد عطلت العشار تعطيلا فإذا فارقت الروح الجسد فقد حملت الأرض فمدت حتى ألقت ما فيها وتخلت ولست أطول بجميع موازنة الأحوال والأهوال ولكني أقول بمجرد الموت تقوم عليك هذه القيامة الصغرى ولا يفوتك من القيامة الكبرى شيء مما يخصك بل ما يخص غيرك فإن بقاء الكواكب في حق غيرك ماذا ينفعك وقد انتثرت حواسك التي بها تنتفع بالنظر إلى الكواكب والأعمى يستوي عنده الليل والنهار وكسوف الشمس وانجلاؤها ؛ لأنها قد كسفت في حقه دفعة واحدة وهو حصته منها ، فالانجلاء بعد ذلك حصة غيره ومن انشق رأسه فقد انشقت سماؤه إذ السماء عبارة عما يلي جهة الرأس فمن لا رأس له لا سماء له ، فمن أين ينفعه بقاء السماء لغيره ، فهذه هي القيامة الصغرى والخوف بعد أسفل والهول بعد مؤخر ، وذلك إذا جاءت الطامة الكبرى وارتفع الخصوص وبطلت السموات والأرض ونسفت الجبال ونمت الأهوال . القيامة الصغرى
واعلم أن هذه الصغرى ، وإن طولنا في وصفها فإنا لم نذكر عشير أوصافها وهي بالنسبة إلى القيامة الكبرى كالولادة الصغرى بالنسبة إلى الولادة الكبرى ، فإن للإنسان ولادتين إحداهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام فهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوار من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها إلى أن يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى خصوص القيامة الصغرى كنسبة سعة فضاء العالم إلى سعة فضاء الرحم ، ونسبة سعة العالم الذي يقدم عليه العبد بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا أيضا إلى الرحم ، بل أوسع وأعظم فقس الآخرة بالأولى ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة وما النشأة الثانية إلا على قياس النشأة الأولى بل أعداد النشآت ليست محصورة في اثنتين وإليه الإشارة بقوله تعالى : وننشئكم في ما لا تعلمون فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم الغيب والشهادة ، وموقن بالملك والملكوت ، ناظر بالعين العوراء إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال والاقتداء بالأعور الدجال . والمقر بالقيامة الصغرى دون الكبرى
فما أعظم غفلتك يا مسكين ، وكلنا ذلك المسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن كنت لا تؤمن بالقيامة الكبرى بالجهل والضلال أفلا تكفيك دلالة القيامة الصغرى أو ما سمعت قول سيد الأنبياء كفى بالموت واعظا أوما سمعت بكربه عليه السلام عند الموت حتى قال صلى الله عليه وسلم : اللهم هون على محمد سكرات الموت أوما تستحي من استبطائك هجوم الموت اقتداء برعاع الغافلين الذين لا ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون فيأتيهم المرض نذيرا من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون فيا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون أفيظنون أنهم في الدنيا خالدون أولم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون أم يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم معدمون كلا وإن كل لما جميع لدينا محضرون ولكن ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين وذلك لأنا جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون .