الحالة الثانية : أن وتسقط بالكلية منازعة باعث الدين ، فيسلم نفسه إلى جند الشياطين ولا يجاهد ليأسه من المجاهدة ، وهؤلاء هم الغافلون وهم الأكثرون وهم الذين استرقتهم شهواتهم وغلبت عليهم شقوتهم فحكموا أعداء الله في قلوبهم التي هي سر من أسرار الله تعالى وأمر من أمور الله وإليهم الإشارة بقوله تعالى : تغلب دواعي الهوى ، ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وهؤلاء هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فخسرت صفقتهم وقيل : لمن قصد إرشادهم فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم وهذه الحالة علامتها اليأس والقنوط والغرور بالأماني ، وهو غاية الحمق كما قال صلى الله عليه وسلم : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وصاحب هذه الحالة إذا وعظ قال : أنا مشتاق إلى التوبة ، ولكنها قد تعذرت علي فلست أطمع فيها أو لم يكن مشتاقا إلى التوبة ، ولكن قال : إن الله غفور رحيم كريم فلا حاجة به إلى توبتي ، وهذا المسكين قد صار عقله رقيقا لشهوته فلا يستعمل عقله إلا في استنباط دقائق الحيل التي بها يتوصل إلى قضاء شهوته ، فقد صار عقله في يد شهواته كمسلم أسير في أيدي الكفار فهم يستسخرونه في رعاية الخنازير وحفظ الخمور وحملها ومحله عند الله تعالى محل من يقهر مسلما ويسلمه إلى الكفار ويجعله أسيرا عندهم لأنه بفاحش ؛ جنايته يشبه أنه سخر ما كان حقه أن لا يستسخر ، وسلط ما حقه أن لا يتسلط عليه ، وإنما استحق المسلم أن يكون متسلطا لما فيه من معرفة الله وباعث الدين ، وإنما استحق الكافر أن يكون مسلطا عليه لما فيه من الجهل بالدين وباعث الشياطين ، وحق المسلم على نفسه أوجب من حق غيره عليه ، فمهما سخر المعنى الشريف الذي هو من حزب الله وجند الملائكة للمعنى الخسيس الذي هو من حزب الشياطين المبعدين عن الله تعالى كان كمن أرق مسلما لكافر بل هو كمن قصد الملك المنعم عليه فأخذ أعز أولاده وسلمه إلى أبغض أعدائه فانظر كيف يكون كفرانه لنعمته واستيجابه لنقمته ؛ لأن الهوى أبغض إله عبد في الأرض عند الله تعالى والعقل أعز موجود خلق على وجه الأرض .