وقد ذم الله تعالى المال ، والجاه وكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا ، العلماء ، قال تعالى : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ، وقال عز وجل : إنما أموالكم وأولادكم فتنة وقال كرم الله وجهه في ذم النسب : الناس أبناء ما يحسنون وقيمة ، كل امرئ ما يحسنه وقيل : المرء بنفسه لا بأبيه فما معنى كونها نعمة مع كونها مذمومة شرعا ؟ فاعلم أن من يأخذ العلوم من الألفاظ المنقولة المؤولة ، والعمومات المخصصة ، كان الضلال عليه أغلب ما لم يهتد بنور الله تعالى إلى إدراك العلوم على ما هي عليه ، ثم ينزل النقل على وفق ما ظهر له منها ، بالتأويل مرة ، وبالتخصيص أخرى ، فهذه نعم معينة على أمر الآخرة لا سبيل إلى جحدها إلا أن فيها فتنا ومخاوف ، فمثال المال مثال الحية التي فيها ترياق نافع وسم نافع فإن أصابها المعزم : الذي يعرف وجه الاحتراز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت نعمة وإن أصابها السوادي الغر فهي عليه بلاء وهلاك وهو مثل البحر الذي تحته أصناف الجواهر واللآلئ ، فمن ظفر بالبحر فإن كان عالما بالسباحة وطريق الغوص وطريق الاحتراز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمه وإن خاضه جاهلا بذلك فقد هلك : فلذلك مدح الله تعالى المال وسماه خيرا ومدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : علي نعم العون على تقوى الله تعالى المال وكذلك مدح الجاه والعز إذ من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أظهره على الدين كله ، وحببه في قلوب الخلق وهو المعني : بالجاه ولكن المنقول في مدحهما قليل ، والمنقول في كثير ، وحيث ذم الرياء فهو ذم الجاه إذ الرياء مقصوده اجتلاب القلوب ، ومعنى الجاه ملك القلوب وإنما كثر هذا وقل ذاك لأن الناس أكثرهم جهال بطريق الرقية لحية المال ، وطريق الغوص في بحر الجاه ، فوجب تحذيرهم فإنهم يهلكون بسم المال قبل الوصول إلى ترياقه ، ويهلكهم تمساح بحر الجاه قبل العثور على جواهره ولو كانا في أعيانهما مذمومين ، بالإضافة إلى كل أحد ، لما تصور أن ينضاف إلى النبوة الملك كما كان لرسولنا صلى الله عليه وسلم ولا أن ينضاف إليها : الغنى كما كان ذم المال والجاه لسليمان عليه السلام ، فالناس كلهم صبيان والأموال حيات والأنبياء والعارفون معزمون : فقد يضر الصبي ما لا يضر المعزم نعم المعزم لو كان له ولد ، يريد بقاءه وصلاحه ، وقد وجد حية ، وعلم أنه لو أخذها لأجل ترياقها لاقتدى به ولده وأخذ الحية إذا رآها ليلعب بها فيهلك فله غرض في الترياق ، وله غرض في حفظ الولد ، فواجب عليه أن يزن غرضه في الترياق بغرضه في حفظ الولد ، فإذا كان يقدر على الصبر عن الترياق ولا يستضر به ضررا كثيرا ولو أخذها لأخذها الصبي ويعظم ضرره بهلاكهم فواجب عليه أن يهرب عن الحية إذا رآها ويشير على الصبي بالهرب ويقبح صورتها في عينه ويعرفه أن فيها سما قاتلا لا ينجو منه أحد ولا يحدثه أصلا بما فيها من نفع الترياق ، فإن ذلك ربما يغره : فيقدم عليه من غير تمام المعرفة ، وكذلك الغواص إذا علم أنه لو غاص في البحر بمرأى من ولده لاتبعه وهلك .
فواجب عليه أن يحذر الصبي ساحل البحر والنهر فإن كان لا ينزجر الصبي بمجرد الزجر مهما رأى والده يحوم حول الساحل فواجب عليه أن يبعد من الساحل مع الصبي ولا ، يقرب منه بين يديه فكذلك الأمة في حجر الأنبياء عليهم السلام كالصبيان الأغبياء ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : إنما أنا لكم مثل الوالد لولده وقال صلى الله عليه وسلم إنما : تتهافتون على النار تهافت الفراش ، وأنا آخذ بحجزكم وحظهم الأوفر في حفظ أولادهم عن المهالك فإنهم لم يبعثوا إلا لذلك ، وليس لهم في المال حظ إلا بقدر القوت ، فلا جرم اقتصروا على قدر القوت ، وما فضل فلم يمسكوه بل أنفقوه فإن الإنفاق فيه الترياق وفي الإمساك السم ولو فتح للناس باب كسب المال ورغبوا فيه لمالوا إلى سم الإمساك ، ورغبوا عن ترياق الإنفاق فلذلك ، قبحت الأموال والمعنى به تقبيح إمساكها والحرص عليها ، للاستكثار منها ، والتوسع في نعيمها ، بما يوجب الركون إلى الدنيا ولذتها فأما أخذها بقدر الكفاية وصرف الفاضل إلى الخيرات فليس بمذموم ، وحق كل مسافر أن لا يحمل إلا بقدر زاده في السفر إذا صمم العزم على أن يختص بما يحمله فأما إذا سمحت نفسه بإطعام الطعام وتوسيع الزاد على الرفقاء فلا بأس بالاستكثار وقوله عليه الصلاة والسلام : معناه لأنفسكم خاصة وإلا ، فقد كان فيمن يروي هذا الحديث ، ويعمل به من ، يأخذ مائة ألف درهم في موضع واحد ، ويفرقها في موضعه وألا ، يمسك منها حبة ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأغنياء يدخلون الجنة بشدة استأذنه ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب رضي الله عنه في أن يخرج عن جميع ما يملكه فأذن له ، فنزل عبد الرحمن بن عوف جبريل عليه السلام وقال : مره بأن يطعم المسكين ، ويكسو العاري ، ويقري الضيف . الحديث .