وأما الرشد فنعني به العناية الإلهية التي تعين الإنسان عند توجهه إلى مقاصده فتقويه ، على ما فيه صلاحه ، وتفتره : عما فيه فساده ويكون ، ذلك من الباطن ، كما قال تعالى : ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين فالرشد عبارة عن هداية باعثة إلى جهة السعادة ، محركة إليها ، فالصبي إذا بلغ خبيرا بحفظ المال ، وطرق التجارة ، والاستنماء : ولكنه مع ذلك يبذر ، ولا يريد الاستنماء ، لا يسمى رشيدا ، لا لعدم هدايته ، بل لقصور هدايته عن تحريك داعيته ، فكم من شخص يقدم على ما يعلم أنه يضره فقد أعطي ، الهداية ، وميز بها عن الجاهل الذي لا يدري أنه يضره ، ولكن ما أعطي الرشد ، فالرشد بهذا الاعتبار أكمل من مجرد الهداية إلى وجوه الأعمال ، وهي نعمة عظيمة وأما فهو توجيه حركاته إلى صوب المطلوب وتيسرها عليه ليشتد في صوب الصواب في أسرع وقت فإن الهداية بمجردها لا تكفي بل لا بد من هداية محركة للداعية ، وهي الرشد ، والرشد لا يكفي بل لا بد من تيسر الحركات بمساعدة الأعضاء ، والآلات ، حتى يتم المراد مما ، انبعثت الداعية إليه فالهداية محض التعريف والرشد هو تنبيه الداعية لتستيقظ وتتحرك ، والتسديد إعانة ونصرة بتحريك الأعضاء في صوب السداد وأما التأييد فكأنه جامع للكل ، وهو عبارة عن تقوية أمره بالبصيرة من داخل وتقوية ، البطش ومساعدة الأسباب من خارج ، وهو المراد بقوله عز وجل : التسديد إذ أيدتك بروح القدس وتقرب منه العصمة وهي ، عبارة عن وجود إلهي يسبح : في الباطن : يقوى به الإنسان على تحري الخير ، وتجنب الشر ، يصير كمانع من باطنه غير محسوس : وإياه عنى بقوله تعالى : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه فهذه هي مجامع النعم ، ولن تثبت إلا بما يخوله الله : من الفهم الصافي الثاقب ، والسمع الواعي والقلب البصير المراعي المتواضع والمعلم ، الناصح والمال الزائد على ما يقصر عن المهمات بقلته ، القاصر عما يشغل عن الدين بكثرته والعز الذي يصونه عن سفه السفهاء ، وظلم الأعداء ويستدعي كل واحد من هذه الأسباب الستة عشر أسبابا ، وتستدعي تلك الأسباب أسبابا إلى أن تنتهي بالآخرة إلى دليل المتحيرين ، وملجأ المضطرين ، وذلك رب الأرباب ، ومسبب الأسباب وإذا كانت تلك الأسباب طويلة لا يحتمل مثل هذا الكتاب استقصاءها : فلنذكر منها أنموذجا ليعلم به معنى قوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وبالله التوفيق .