ثم هب أنك قطعت الطعام وطحنته وهو يابس فلا تقدر على الابتلاع إلا بأن ينزلق إلى الحلق بنوع رطوبة ، فانظر كيف تحت اللسان عينا يفيض اللعاب منها وينصب بقدر الحاجة حتى يتعجن به الطعام ، فانظر كيف سخرها لهذا الأمر فإنك ترى الطعام من بعد فيثور الحنكان للخدمة ، وينصب اللعاب ، حتى تتحلب أشداقك ، والطعام بعد بعيد عنك ثم هذا الطعام المطحون المتعجن من يوصله إلى المعدة وهو في الفم ، ولا تقدر على أن تدفعه باليد ، ولا يد في المعدة حتى تمتد فتجذب الطعام ، فانظر كيف هيأ الله تعالى المريء والحنجرة وجعل على رأسها طبقات تنفتح لأخذ الطعام ثم تنضغط حتى يتقلب الطعام .بضغطه فيهوي إلى المعدة في دهليز المريء فإذا ورد الطعام على المعدة وهو خبز وفاكهة مقطعة فلا يصلح لأن يصير لحما وعظما ودما على هذه الهيئة بل لا بد وأن يطبخ طبخا تاما حتى تتشابه أجزاؤه ، فخلق الله تعالى المعدة على هيئة قدر فيقع فيها الطعام فتحتوي عليه وتغلق عليه الأبواب فلا يزال لابثا فيها حتى يتم الهضم والنضج بالحرارة التي تحيط بالمعدة من الأعضاء الباطنة إذ من جانبها الأيمن الكبد ، ومن الأيسر الطحال ومن قدام الترائب ومن خلف لحم الصلب : فتتعدى الحرارة إليها من تسخين هذه الأعضاء من الجوانب حتى ينطبخ الطعام ويصير مائعا متشابها : يصلح للنفوذ في تجاويف العروق ، وعند ذلك يشبه ماء الشعير في تشابه أجزائه ووقته ، وهو بعد لا يصلح للتغذية . خلق الله تعالى