الطرف الخامس في نعم الله تعالى في الأسباب الموصلة للأطعمة إليك
اعلم أن هذه الأطعمة كلها لا توجد في كل مكان بل لها شروط مخصوصة لأجلها توجد في بعض الأماكن دون بعض ، والناس منتشرون على وجه الأرض وقد تبعد عنهم الأطعمة ويحول بينهم وبينها البحار والبراري . فانظر كيف سخر الله تعالى التجار ، وسلط عليهم حرص حب المال وشهوة الربح ، مع أنهم لا يغنيهم في غالب الأمر شيء بل يجمعون فإما أن تغرق بها : السفن أو تنهبها قطاع الطريق أو يموتوا في بعض البلاد فيأخذها السلاطين وأحسن أحوالهم أن يأخذها ورثتهم ، وهم أشد أعدائهم لو عرفوا فانظر كيف سلط الله الجهل والغفلة عليهم حتى يقاسوا الشدائد في طلب الربح ، ويركبوا الأخطار : ويغرروا بالأرواح في ركوب البحر ، فيحملون الأطعمة وأنواع الحوائج من أقصى الشرق والغرب إليك ، وانظر كيف علمهم الله تعالى صناعة السفن وكيفية الركوب فيها وانظر كيف خلق الحيوانات وسخرها للركوب والحمل في البراري وانظر إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى الفرس كيف أمدت بسرعة الحركة وإلى الحمار كيف جعل صبورا على التعب ، وإلى الجمال كيف تقطع البراري ، وتطوي المراحل تحت الأعباء : الثقيلة على الجوع والعطش ، وانظر كيف سيرهم الله تعالى بواسطة السفن والحيوانات في البر والبحر ليحملوا إليك الأطعمة وسائر الحوائج وتأمل ما يحتاج إليه الحيوانات من أسبابها وأدواتها وعلفها ، وما تحتاج إليه السفن . فقد خلق الله تعالى جميع ذلك إلى حد الحاجة وفوق الحاجة ، وإحصاء ذلك غير ممكن ، ويتمادى ذلك إلى أمور خارجة عن الحصر نرى تركها طلبا للإيجاز
.