وكما عرفت أن في كل طرفة عين نعما كثيرة ، فاعلم أن إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب ، ولو لم يخرج لهلك ، وبانقباضه يجمع روح الهواء إلى القلب ، ولو سد متنفسه لاحترق قلبه بانقطاع روح الهواء وبرودته عنه وهلك . بل اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة وفي كل ساعة قريب من ألف نفس ، وكل نفس قريب من عشر لحظات ، فعليك في كل لحظة آلاف آلاف نعمة في كل جزء من أجزاء بدنك ، بل في كل جزء من أجزاء العالم ، فانظر هل يتصور إحصاء ذلك أم لا ؟ ولما انكشف في كل نفس ينبسط وينقبض نعمتين ؛ لموسى عليه السلام حقيقة قوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، قال : إلهي كيف أشكرك ولك في كل شعرة من جسدي نعمتان أن لينت أصلها ، وأن طمست رأسها وكذا ورد في الأثر أن من لم يعرف نعم الله في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه
وجميع ما ذكرناه يرجع إلى المطعم والمشرب فاعتبر ما سواه من النعم به ، فإن البصير لا تقع عينه في العالم على شيء ، ولا يلم خاطره بموجود ، إلا ويتحقق أن لله فيه نعمة عليه . فلنترك الاستقصاء والتفصيل فإنه طمع في غير مطمع
.