الرابع أن هذه المصيبة والبلية كانت مكتوبة عليه في أم الكتاب وكان لا بد من وصولها ، إليه وقد وصلت ووقع الفراغ واستراح من بعضها أو من جميعها فهذه نعمة الخامس أن ثوابها أكثر منها
فإن مصائب الدنيا طرق إلى الآخرة من وجهين أحدهما الوجه الذي يكون به الدواء الكريه نعمة في حق المريض ، ويكون المنع من أسباب اللعب نعمة حق الصبي ، فإنه لو خلي واللعب كان يمنعه ذلك عن العلم والأدب : فكان يخسر جميع عمره فكذلك المال والأهل والأقارب والأعضاء حتى العين التي هي أعز الأشياء قد تكون سببا لهلاك الإنسان في بعض الأحوال بل العقل الذي هو أعز الأمور قد يكون سببا لهلاكه ، فالملحدة غدا يتمنون لو كانوا مجانين أو صبيانا ولم يتصرفوا بعقولهم في دين الله تعالى فما من شيء من هذه الأسباب يوجد من العبد إلا ويتصور أن يكون له فيه خيرة دينية ، فعليه أن يحسن الظن بالله تعالى ، ويقدر فيه الخيرة ، ويشكره عليه ، فإن حكمة الله واسعة ، وهو بمصالح العباد أعلم من العباد ، وغدا يشكره العباد على البلايا إذا رأوا ثواب الله على البلايا كما يشكر الصبي بعد العقل والبلوغ أستاذه وأباه على ضربه وتأديبه ؛ ؛ إذ يدرك ثمرة ما استفاده من التأديب والبلاء من الله تعالى تأديب وعنايته بعباده أتم وأوفر من عناية الآباء بالأولاد ، فقد روي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : لا تتهم الله في شيء قضاه عليك ونظر صلى الله عليه وسلم إلى السماء فضحك فسئل فقال : عجبت لقضاء الله تعالى للمؤمن ، إن قضى له بالسراء رضي وكان خيرا له ، وإن قضى له بالضراء رضي وكان خيرا له .