بيان الأفضل من الصبر والشكر
اعلم أن الناس اختلفوا في ذلك ، فقال قائلون : وقال آخرون : الشكر أفضل وقال آخرون : هما سيان : وقال آخرون : يختلف ذلك باختلاف الأحوال واستدل كل فريق بكلام شديد الاضطراب ، بعيد عن التحصيل ، فلا معنى للتطويل بالنقل ، بل المبادرة إلى إظهار الحق أولى ، فنقول في بيان ذلك مقامان الصبر أفضل من الشكر
المقام الأول البيان على سبيل التساهل ، وهو أن ينظر إلى ظاهر الأمر ولا يطلب التفتيش بحقيقته ، وهو البيان الذي ينبغي أن يخاطب به عوام الخلق لقصور أفهامهم عن درك الحقائق الغامضة : وهذا الفن : من الكلام هو الذي ينبغي أن يعتمده الوعاظ إذ مقصود كلامهم من مخاطبة العوام إصلاحهم والظئر المشفقة لا ينبغي أن تصلح الصبي الطفل بالطيور السمان وضروب الحلاوات بل باللبن اللطيف ، وعليها أن تؤخر عنه أطايب الأطعمة إلى أن يصير محتملا لها بقوته ويفارق الضعف الذي هو عليه في بنيته فنقول : هذا المقام في البيان يأبى البحث والتفصيل ، ومقتضاه النظر إلى الظاهر المفهوم من موارد الشرع وذلك يقتضي تفضيل الصبر فإن الشكر ، وإن وردت أخبار كثيرة في فضله فإذا أضيف إليه ما ورد في فضيلة الصبر ، كانت فضائل الصبر أكثر ، بل فيه ألفاظ
صريحة في التفضيل كقوله صلى الله عليه وسلم : من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر وفي الخبر : يؤتى بأشكر أهل الأرض فيجزيه الله جزاء الشاكرين ، ويؤتى بأصبر أهل الأرض فيقال له : أما ترضى أن يجزيك كما جزينا هذا الشاكر ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول الله تعالى : كلا أنعمت عليه فشكر ، وابتليتك فصبرت ، لأضعفن لك الأجر عليه فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين .