بيان فضيلة الرجاء والترغيب فيه
اعلم أن العمل على الرجاء أعلى منه على الخوف ؛ لأن أقرب العباد إلى الله تعالى أحبهم : له والحب يغلب بالرجاء واعتبر ذلك بملكين يخدم أحدهما خوفا من عقابه ، والآخر رجاء لثوابه ، ولذلك ورد في الرجاء وحسن الظن رغائب : لا سيما في وقت الموت قال تعالى : لا تقنطوا من رحمة الله فحرم أصل اليأس وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله تعالى أوحى إليه :
أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف ، لأنك قلت أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لم خفت الذئب ولم ترجني ؟ ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له ؟!
وقال صلى الله عليه وسلم : وقال صلى الله عليه وسلم : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله تعالى يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء
ودخل صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في النزع : فقال : كيف تجدك ؟ فقال : أجدني أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي ،
فقال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا ، وأمنه مما يخاف وقال رضي الله عنه لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط : لكثرة ذنوبه يا هذا يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك علي
وقال سفيان من أذنب ذنبا فعلم أن الله تعالى قدره عليه ، ورجا غفرانه ، غفر الله له ذنبه . قال لأن الله عز وجل عير : قوما فقال وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم وقال تعالى وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا : وقال صلى الله عليه وسلم : وفي الخبر الصحيح أن رجلا كان يداين الناس : فيسامح الغني ويتجاوز عن المعسر فلقي الله ولم يعمل خيرا قط ، فقال الله عز وجل : من أحق بذلك منا فعفا عنه لحسن ظنه ورجائه أن يعفو عنه مع إفلاسه عن الطاعات وقال تعالى إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ولما قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون : أي : صدوركم وتجأرون : إلى ربكم ، فهبط إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإن لقنه الله حجته ، قال : يا رب رجوتك ، وخفت الناس ، قال فيقول الله تعالى : قد غفرته لك جبريل عليه السلام فقال : إن ربك يقول : لك لم تقنط عبادي ؟! فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم
وفي الخبر إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أحبني ، وأحب من يحبني ، وحببني إلى خلقي ، فقال : يا رب كيف أحببك إلى خلقك؟ قال : اذكرني بالحسن الجميل ، واذكر آلائي وإحساني ، وذكرهم ذلك ، فإنهم لا يعرفون مني إلا الجميل ورؤي أبان بن أبي عياش في النوم وكان يكثر ذكر أبواب الرجاء فقال : أوقفني الله تعالى بين يديه ، فقال : ما الذي حملك على ذلك ؟ فقلت : أردت أن أحببك إلى خلقك ، فقال : قد غفرت لك ورؤي يحيى بن أكثم بعد موته في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : أوقفني الله بين يديه ، وقال : يا شيخ السوء فعلت وفعلت ، وقال فأخذني من الرعب ما يعلم الله ثم قلت : يا رب ما هكذا حدثت عنك ، فقال : وما حدثت عني ؟ فقلت : حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام أنك قلت : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ، وكنت أظن بك أن لا تعذبني ، فقال الله عز وجل : صدق جبريل وصدق نبيي ، وصدق وصدق أنس ، وصدق الزهري ، معمر ، وصدق عبد الرزاق ، وصدقت ، قال : فألبست : ومشى بين يدي الولدان إلى الجنة ، فقلت : يا لها من فرحة !
وفي الخبر أن رجلا من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم قال : : فيقول له الله تعالى يوم القيامة : اليوم أؤيسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها وقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي : يا حنان يا منان ، فيقول الله تعالى لجبريل اذهب فأتني بعبدي ، قال : فيجيء به فيوقفه على ربه فيقول الله تعالى : كيف وجدت مكانك ؟ فيقول : شر مكان ، قال فيقول : : ردوه إلى مكانه ، قال : فيمشي ويلتفت إلى ورائه ، فيقول الله عز وجل : إلى أي شيء تلتفت ؟ فيقول : لقد رجوت أن لا تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها ، فيقول الله تعالى : اذهبوا به إلى الجنة فدل هذا على أن رجاءه كان سبب نجاته نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه
.