وبالترك يتبين زوال الرغبة ولذلك قيل لابن المبارك يا زاهد فقال : الزاهد إذ جاءته الدنيا راغمة فتركها وأما أنا ففي ماذا زهدت ؟ عمر بن عبد العزيز
وأما العلم الذي هو مثمر لهذه الحال فهو العلم بكون المتروك حقيرا بالإضافة إلى المأخوذ كعلم التاجر بأن العوض خير من المبيع فيرغب فيه ، وما لم يتحقق هذا العلم لم يتصور أن تزول الرغبة عن المبيع ، فكذلك من عرف أن ما عند الله باق ، وأن الآخرة خير وأبقى ، أي : لذاتها خير في أنفسها وأبقى كما تكون الجواهر خيرا وأبقى من الثلج مثلا .
ولا يعسر على مالك ، الثلج بيعه بالجواهر واللآلئ ، فهكذا مثال الدنيا والآخرة ، فالدنيا كالثلج الموضوع في الشمس لا يزال في الذوبان إلى الانقراض ، والآخرة كالجوهر الذي لا فناء له فبقدر قوة اليقين ، والمعرفة بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع والمعاملة حتى إن من قوي يقينه يبيع نفسه وماله كما قال الله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ثم بين أن صفقتهم رابحة ، فقال تعالى : فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به فليس يحتاج من إلا إلى هذا القدر ، وهو أن الآخرة . العلم في الزهد
خير وأبقى وقد يعلم ذلك من لا يقدر على ترك الدنيا إما لضعف علمه ويقينه ، وإما لاستيلاء الشهوة في الحال عليه ، وكونه مقهورا في يد الشيطان وإما لاغتراره ، بمواعيد الشيطان في التسويف يوما بعد يوم إلى أن يختطفه الموت ولا يبقى معه إلا الحسرة بعد الفوت .