كتاب التوحيد والتوكل .
وهو الكتاب الخامس من ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
، . الحمد لله مدبر الملك والملكوت المنفرد بالعزة والجبروت
الرافع للسماء بغير عماد المقدر فيها أرزاق العباد الذي صرف أعين ذوي القلوب والألباب عن ملاحظة الوسائط والأسباب إلى مسبب الأسباب ورفع هممهم عن الالتفات إلى ما عداه والاعتماد على مدبر سواه فلم يعبدوا إلا إياه علما بأنه الواحد الفرد الصمد الإله وتحقيقا بأن جميع أصناف الخلق عباد أمثالهم لا يبتغى عندهم الرزق وأنه ما من ذرة إلا إلى الله خلقها وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فلما تحققوا أنه لرزق عباده ضامن وبه كفيل توكلوا عليه وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .
والصلاة على محمد قامع الأباطيل الهادي إلى سواء السبيل وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، فإن التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين بل هو من معالي درجات المقربين وهو في نفسه غامض من حيث العلم ثم هو شاق من حيث العمل ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد والتثاقل عنها بالكلية طعن في السنة وقدح في الشرع والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسبابا تغيير في وجه العقل وانغماس في غمرة الجهل وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق فيه مقتضى التوحيد والنقل والشرع في غاية الغموض والعسر ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء الذين اكتحلوا من فضل الله تعالى بأنوار الحقائق فأبصروا وتحققوا ثم نطقوا بالإعراب : عما شاهدوه من حيث استنطقوا .
ونحن الآن نبدأ بذكر فضيلة التوكل على سبيل التقدمة ثم نردفه بالتوحيد في الشطر الأول من الكتاب ونذكر حال التوكل وعمله في الشطر الثاني .