النظر الثاني للمراقبة عند الشروع في العمل وذلك بتفقد كيفية العمل ليقضي حق الله فيه ويحسن النية في إتمامه ويكمل صورته ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه وهذا ملازم له في جميع أحواله فإنه لا يخلو في جميع أحواله عن حركة وسكون فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=19666_19665راقب الله تعالى في جميع ذلك قدر على عبادة الله تعالى فيها بالنية وحسن الفعل ومراعاة الأدب فإن كان قاعدا مثلا فينبغي أن يقعد مستقبل القبلة لقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=18632خير المجالس ما استقبل به القبلة ولا يجلس متربعا إذ لا يجالس الملوك كذلك وملك الملوك مطلع عليه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم رحمه الله جلست مرة متربعا ، فسمعت هاتفا يقول : هكذا تجالس الملوك فلم أجلس بعد ذلك متربعا وإن كان ينام .
فينام على اليد اليمنى مستقبل القبلة مع سائر الآداب التي ذكرناها في موضعها فكل ذلك داخل في المراقبة بل لو كان في قضاء الحاجة فمراعاته لآدابها وفاء بالمراقبة .
فإذن لا يخلو العبد إما أن يكون في طاعة أو في معصية أو في مباح .
فمراقبته في الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات .
nindex.php?page=treesubj&link=19663وإن كان في معصية فمراقبته بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكر .
وإن كان في مباح فمراقبته بمراعاة الأدب ثم بشهود المنعم في النعمة وبالشكر عليها .
ولا يخلو العبد في جملة أحواله عن بلية لا بد له من الصبر عليها ونعمة لا بد له من الشكر عليها وكل ذلك من المراقبة .
بل لا ينفك العبد في كل حال من فرض لله تعالى عليه إما فعل يلزمه مباشرته أو محظور يلزمه تركه أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى ويسابق به عباد الله أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته ولكل واحد من ذلك حدود لا بد من مراعاتها بدوام المراقبة
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه فينبغي أن يتفقد العبد نفسه في جميع أوقاته في هذه الأقسام الثلاثة فإذا كان فارغا من الفرائض وقدر على الفضائل فينبغي أن يلتمس أفضل الأعمال ليشتغل بها فإن من فاته مزيد ربح وهو قادر على دركه فهو مغبون والأرباح تنال بمزايا الفضائل فبذلك يأخذ العبد من دنياه لآخرته كما قال تعالى ولا تنس نصيبك من الدنيا .
وكل ذلك إنما يمكن بصبر ساعة واحدة فإن الساعات ثلاث ساعة مضت لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية .
وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا ولا يدري ما يقضي الله فيها وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى .
ولا يطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم على المراقبة فيها بل يكون ابن وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحالة وتكون جميع أحواله مقصورة على ما رواه أبو ذر رضي الله تعالى عنه من قوله عليه السلام لا يكون المؤمن ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم .
وما روي عنه أيضا في معناه وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها في صنع الله تعالى وساعة يخلو فيها للمطعم والمشرب فإن في هذه الساعة عونا له على بقية الساعات .
ثم هذه الساعات التي هو فيها مشغول الجوارح بالمطعم والمشرب لا ينبغي أن يخلو عن عمل هو
nindex.php?page=treesubj&link=24582أفضل الأعمال وهو الذكر والفكر فإن الطعام الذي يتناوله مثلا فيه من العجائب ما لو تفكر فيه وفطن له كان ذلك أفضل من كثير من أعمال الجوارح .
والناس فيه أقسام قسم ينظرون إليه بعين التبصر والاعتبار فينظرون في عجائب صنعته وكيفية ارتباط قوام الحيوانات به وكيفية تقدير الله لأسبابه وخلق الشهوات الباعثة عليه وخلق الآلات المسخرة للشهوة فيه كما فصلنا بعضه في كتاب الشكر وهذا مقام ذوي الألباب .
وقسم ينظرون فيه بعين المقت والكراهة ويلاحظون وجه الاضطرار إليه وبودهم لو استغنوا عنه ولكن يرون أنفسهم مقهورين فيه مسخرين لشهواته وهذا مقام الزاهدين .
وقوم يرون في الصنعة الصانع ويترقون منها إلى صفات الخالق فتكون مشاهدة ذلك سببا لتذكر أبواب من الفكر تنفتح عليهم بسببه وهو أعلى المقامات وهو من مقامات العارفين وعلامات المحبين إذ المحب إذا رأى صنعة حبيبه وكتابه وتصنيفه نسي الصنعة واشتغل قلبه بالصانع وكل ما يتردد العبد فيه صنع الله تعالى فله في النظر منه إلى الصانع مجال رحب إن فتحت له أبواب الملكوت وذلك عزيز جدا .
النَّظَرُ الثَّانِي لِلْمُرَاقَبَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَذَلِكَ بِتَفَقُّدِ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ لِيَقْضِيَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ وَيُحْسِنَ النِّيَّةَ فِي إِتْمَامِهِ وَيُكْمِلَ صُورَتَهُ وَيَتَعَاطَاهُ عَلَى أَكْمَلِ مَا يُمْكِنُهُ وَهَذَا مُلَازِمٌ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ عَنْ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19666_19665رَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَدَرَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَحُسْنِ الْفِعْلِ وَمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ فَإِنْ كَانَ قَاعِدًا مَثَلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=18632خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ وَلَا يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا إِذْ لَا يُجَالِسُ الْمُلُوكَ كَذَلِكَ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12358إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَلَسْتُ مَرَّةً مُتَرَبِّعًا ، فَسَمِعْتُ هَاتِفًا يَقُولُ : هَكَذَا تُجَالِسُ الْمُلُوكَ فَلَمْ أَجْلِسْ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَرَبِّعًا وَإِنْ كَانَ يَنَامُ .
فَيَنَامُ عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مَعَ سَائِرِ الْآدَابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعِهَا فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْمُرَاقَبَةِ بَلْ لَوْ كَانَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَمُرَاعَاتُهُ لِآدَابِهَا وَفَاءٌ بِالْمُرَاقَبَةِ .
فَإِذَنْ لَا يَخْلُو الْعَبْدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَاعَةٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ فِي مُبَاحٍ .
فَمُرَاقَبَتُهُ فِي الطَّاعَةِ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِكْمَالِ وَمُرَاعَاةُ الْأَدَبِ وَحِرَاسَتُهَا عَنْ الْآفَاتِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19663وَإِنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْحَيَاءِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّفَكُّرِ .
وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَمُرَاقَبَتُهُ بِمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ ثُمَّ بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ فِي النِّعْمَةِ وَبِالشُّكْرِ عَلَيْهَا .
وَلَا يَخْلُو الْعَبْدُ فِي جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ عَنْ بَلِيَّةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهَا وَنِعْمَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَيْهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ .
بَلْ لَا يَنْفَكُّ الْعَبْدُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ فَرْضِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إِمَّا فِعْلٌ يَلْزَمُهُ مُبَاشَرَتُهُ أَوْ مَحْظُورٌ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ أَوْ نَدْبٌ حَثَّ عَلَيْهِ لِيُسَارِعَ بِهِ إِلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسَابِقُ بِهِ عِبَادَ اللَّهِ أَوْ مُبَاحٌ فِيهِ صَلَاحُ جِسْمِهِ وَقَلْبِهِ وَفِيهِ عَوْنٌ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ حُدُودٌ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا كَانَ فَارِغًا مِنَ الْفَرَائِضِ وَقَدَرَ عَلَى الْفَضَائِلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ لِيَشْتَغِلَ بِهَا فَإِنَّ مَنْ فَاتَهُ مَزِيدُ رِبْحٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَرْكِهِ فَهُوَ مَغْبُونٌ وَالْأَرْبَاحُ تُنَالُ بِمَزَايَا الْفَضَائِلِ فَبِذَلِكَ يَأْخُذُ الْعَبْدُ مِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا .
وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُمْكِنُ بِصَبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ السَّاعَاتِ ثَلَاثٌ سَاعَةٌ مَضَتْ لَا تَعَبَ فِيهَا عَلَى الْعَبْدِ كَيْفَمَا انْقَضَتْ فِي مَشَقَّةٍ أَوْ رَفَاهِيَةٍ .
وَسَاعَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ لَمْ تَأْتِ بَعْدُ لَا يَدْرِي الْعَبْدُ أَيَعِيشُ إِلَيْهَا أَمْ لَا وَلَا يَدْرِي مَا يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا وَسَاعَةٌ رَاهِنَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاهِدَ فِيهَا نَفْسَهُ وَيُرَاقِبَ فِيهَا رَبَّهُ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ السَّاعَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يَتَحَسَّرْ عَلَى فَوَاتِ هَذِهِ السَّاعَةِ وَإِنْ أَتَتْهُ السَّاعَةُ الثَّانِيَةُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْهَا كَمَا اسْتَوْفَى مِنَ الْأُولَى .
وَلَا يَطُولُ أَمَلُهُ خَمْسِينَ سَنَةً فَيَطُولُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ فِيهَا بَلْ يَكُونُ ابْنَ وَقْتِهِ كَأَنَّهُ فِي آخِرِ أَنْفَاسِهِ فَلَعَلَّهُ آخِرُ أَنْفَاسِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي وَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ أَنْفَاسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكْرَهُ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَتَكُونُ جَمِيعُ أَحْوَالِهِ مَقْصُورَةً عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ ظَاعِنًا إِلَّا فِي ثَلَاثٍ تَزَوُّدٌ لِمَعَادٍ أَوْ مَرَمَّةٌ لِمَعَاشٍ أَوْ لَذَّةٌ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ .
وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا فِي مَعْنَاهُ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَرْبَعُ سَاعَاتٍ سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِلْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا لَهُ عَلَى بَقِيَّةِ السَّاعَاتِ .
ثُمَّ هَذِهِ السَّاعَاتُ الَّتِي هُوَ فِيهَا مَشْغُولُ الْجَوَارِحِ بِالْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ عَنْ عَمَلٍ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=24582أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْفِكْرُ فَإِنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ مَثَلًا فِيهِ مِنَ الْعَجَائِبِ مَا لَوْ تَفَكَّرَ فِيهِ وَفَطِنَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ .
وَالنَّاسُ فِيهِ أَقْسَامٌ قِسْمٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ التَّبَصُّرِ وَالِاعْتِبَارِ فَيَنْظُرُونَ فِي عَجَائِبِ صَنْعَتِهِ وَكَيْفِيَّةِ ارْتِبَاطِ قَوَامِ الْحَيَوَانَاتِ بِهِ وَكَيْفِيَّةِ تَقْدِيرِ اللَّهِ لِأَسْبَابِهِ وَخَلْقِ الشَّهَوَاتِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَخَلْقِ الْآلَاتِ الْمُسَخَّرَةِ لِلشَّهْوَةِ فِيهِ كَمَا فَصَّلْنَا بَعْضَهُ فِي كِتَابِ الشُّكْرِ وَهَذَا مَقَامُ ذَوِي الْأَلْبَابِ .
وَقِسْمٌ يَنْظُرُونَ فِيهِ بِعَيْنِ الْمَقْتِ وَالْكَرَاهَةِ وَيُلَاحِظُونَ وَجْهَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ وَبِوِدِّهِمْ لَوِ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَلَكِنْ يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ مَقْهُورِينَ فِيهِ مُسَخَّرِينَ لِشَهَوَاتِهِ وَهَذَا مَقَامُ الزَّاهِدِينَ .
وَقَوْمٌ يَرَوْنَ فِي الصَّنْعَةِ الصَّانِعَ وَيَتَرَقَّوْنَ مِنْهَا إِلَى صِفَاتِ الْخَالِقِ فَتَكُونُ مُشَاهَدَةُ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَذَكُّرِ أَبْوَابٍ مِنَ الْفِكْرِ تَنْفَتِحُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِهِ وَهُوَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ وَعَلَامَاتِ الْمُحِبِّينَ إِذِ الْمُحِبُّ إِذَا رَأَى صَنْعَةَ حَبِيبِهِ وَكِتَابَهُ وَتَصْنِيفَهُ نَسِيَ الصَّنْعَةَ وَاشْتَغَلَ قَلْبُهُ بِالصَّانِعِ وَكُلُّ مَا يَتَرَدَّدُ الْعَبْدُ فِيهِ صُنْعُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَهُ فِي النَّظَرِ مِنْهُ إِلَى الصَّانِعِ مَجَالٌ رَحْبٌ إِنْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْمَلَكُوتِ وَذَلِكَ عَزِيزٌ جِدًّا .