كتاب التفكر .
وهو الكتاب التاسع من ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي لم يقدر لانتهاء عزته نحوا ولا قطرا ولم يجعل لمراقي أقدام الأوهام ومرمى سهام الأفهام إلى حمى عظمته مجرى بل ترك قلوب الطالبين في بيداء كبريائه والهة حيرى كلما اهتزت لنيل مطلوبها ردتها سبحات الجلال قسرا وإذا همت بالانصراف آيسة نوديت من سرادقات الجمال ، صبرا صبرا ثم قيل لها أجيلي في : ذل العبودية منك فكرا لأنك لو تفكرت في جلال الربوبية لم تقدري له قدرا وإن طلبت وراء الفكر في صفاتك أمرا فانظري في نعم الله تعالى وأياديه كيف توالت عليك تترى وجددي لكل نعمة منها ذكرا وشكرا وتأملي في بحار المقادير كيف فاضت على العالمين خيرا وشرا ونفعا وضرا وعسرا ويسرا وفوزا وخسرا وجبرا وكسرا وطيا ونشرا وإيمانا وكفرا وعرفانا ونكرا فإن جاوزت النظر في الأفعال إلى النظر في الذات فقد حاولت أمرا إمرا وخاطرت بنفسك مجاوزة حد طاقة البشرية ظلما وجورا ، فقد انبهرت العقول دون مبادئ إشراقه وانتكصت على أعقابها اضطرارا وقهرا ، والصلاة على محمد سيد ولد آدم وإن كان لم يعد سيادته فخرا صلاة تبقى لنا في عرصات القيامة عدة وذخرا وعلى آله وأصحابه الذين أصبح كل واحد منهم في سماء الدين بدرا ولطوائف المسلمين صدرا وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، فقد وردت السنة بأن تفكر ساعة خير من عبادة سنة وكثر الحث في كتاب الله تعالى على ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره ومورده ومجراه ومسرحه وطريقه وكيفيته ، ولم يعلم أنه كيف يتفكر وفي ماذا يتفكر ولماذا يتفكر ، وما الذي يطلب به أهو مراد لعينه أم لثمرة تستفاد منه فإن ، كان لثمرة فما تلك الثمرة أهي من العلوم أو من الأحوال أو منهما جميعا ، وكشف جميع ذلك مهم ، ونحن نذكر أولا فضيلة التفكر . التدبر والاعتبار والنظر والافتكار
ثم حقيقة التفكر وثمرته .
ثم مجاري الفكر ومسارحه إن شاء الله تعالى .