وإذا عرفت طريق الفكر في نفسك
nindex.php?page=treesubj&link=19787فتفكر في الأرض التي هي مقرك ; ثم في أنهارها ، وجبالها ومعادنها ، ثم ارتفع منها إلى ملكوت السماوات . أما الأرض فمن آياته أن خلق الأرض فراشا ومهادا وسلك فيها سبلا فجاجا وجعلها ذلولا لتمشوا في مناكبها وجعلها قارة لا تتحرك وأرسى فيها الجبال أوتادا لها تمنعها من أن تميد ثم وسع أكنافها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت إعمارهم ، وكثر تطوافهم ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=48والأرض فرشناها فنعم الماهدون ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها ، وقال تعالى الذي :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22جعل لكم الأرض فراشا وقد أكثر في كتابه العزيز من ذكر الأرض ليتفكر في عجائبها ; فظهرها مقر للأحياء وبطنها مرقد للأموات ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25ألم نجعل الأرض كفاتا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أحياء وأمواتا .
nindex.php?page=treesubj&link=19787فانظر إلى الأرض وهي ميتة ، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت ، وربت ، واخضرت ، وأنبتت عجائب النبات وخرجت منها أصناف الحيوانات . ثم
nindex.php?page=treesubj&link=19787انظر كيف أحكم جوانب الأرض بالجبال الراسيات ، الشوامخ ، الصم ، الصلاب وكيف أودع المياه تحتها ففجر العيون وأسال الأنهار تجري على وجهها وأخرج من الحجارة اليابسة ، ومن التراب الكدر ماء رقيقا عذبا ، صافيا ، زلالا وجعل به كل شيء حي فأخرج به فنون الأشجار والنبات ، من حب ، وعنب ، وقضب ، وزيتون ، ونخل ، ورمان ، وفواكه كثيرة لا تحصى ، مختلفة الأشكال ، والألوان ، والطعوم ، والصفات والأراييح ، يفضل بعضها على بعض في الأكل تسقى بماء واحد ، وتخرج من أرض واحدة .
فإن قلت إن اختلافها باختلاف بذورها وأصولها فمتى كان في النواة نخلة مطوقة بعناقيد الرطب ومتى ؟! كان في حبة واحدة سبع سنابل في كل سنبلة مائة ؟! ثم انظر إلى أرض البوادي ، وفتش ظاهرها وباطنها ، فتراها ترابا متشابها فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ألوانا مختلفة ، ونباتا متشابها وغير متشابه لكل واحد طعم وريح ولون وشكل يخالف الآخر فانظر إلى كثرتها واختلاف أصنافها ، وكثرة أشكالها ثم اختلاف طبائع النبات ، وكثرة منافعه وكيف . أودع الله تعالى العقاقير المنافع الغريبة ، فهذا النبات يغذي وهذا يقوي وهذا يحيي وهذا يقتل وهذا يبرد ، وهذا يسخن ، وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق وهذا يستحيل إلى الصفراء وهذا يقمع البلغم ، والسوداء ، وهذا يستحيل إليهما ، وهذا يصفى الدم وهذا يستحل دما وهذا يفرح وهذا ينوم وهذا يقوي ، وهذا يضعف . فلم تنبت من الأرض ورقة ، ولا تبنة ، إلا وفيها منافع لا يقوى البشر على الوقوف على كنهها وكل واحد من هذا النبات يحتاج الفلاح في تربيته إلى عمل مخصوص فالنخل تؤبر والكرم يكسح والزرع ينقى عنه الحشيش والدغل وبعض ذلك يستنبت ببث البذر في الأرض وبعضه بغرس الأغصان وبعضه يركب في الشجر . ولو أردنا أن نذكر اختلاف أجناس النبات وأنواعه ، ومنافعه ، وأحواله ، وعجائبه لا نقضت ، الأيام في وصف ذلك ، فيكفيك من كل جنس نبذة يسيرة تدلك على طريق الفكر فهذه عجائب النبات .
وَإِذَا عَرَفْتَ طَرِيقَ الْفِكْرِ فِي نَفْسِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19787فَتَفَكَّرْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مَقَرُّكَ ; ثُمَّ فِي أَنْهَارِهَا ، وَجِبَالِهَا وَمَعَادِنِهَا ، ثُمَّ ارْتَفِعْ مِنْهَا إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ . أَمَّا الْأَرْضُ فَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَمِهَادًا وَسَلَكَ فِيهَا سُبُلًا فِجَاجًا وَجَعَلَهَا ذَلُولًا لِتَمْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَجَعَلَهَا قَارَّةً لَا تَتَحَرَّكُ وَأَرْسَى فِيهَا الْجِبَالَ أَوْتَادًا لَهَا تَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَمِيدَ ثُمَّ وَسَّعَ أَكْنَافَهَا حَتَّى عَجَزَ الْآدَمِيُّونَ عَنْ بُلُوغِ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا وَإِنْ طَالَتْ إِعْمَارُهُمْ ، وَكَثُرَ تَطْوَافُهُمْ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=48وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ، وَقَالَ تَعَالَى الَّذِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَقَدْ أَكْثَرَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ لِيُتَفَكَّرَ فِي عَجَائِبِهَا ; فَظَهْرُهَا مَقَرُّ لِلْأَحْيَاءِ وَبَطْنُهَا مَرْقَدُ لِلْأَمْوَاتِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=26أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا .
nindex.php?page=treesubj&link=19787فَانْظُرْ إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ مَيْتَةٌ ، فَإِذَا أَنْزَلَ عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ ، وَرَبَّتْ ، وَاخْضَرَّتْ ، وَأَنْبَتَتْ عَجَائِبَ النَّبَاتِ وَخَرَجَتْ مِنْهَا أَصْنَافُ الْحَيَوَانَاتِ . ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19787انْظُرْ كَيْفَ أَحْكَمَ جَوَانِبَ الْأَرْضِ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ ، الشَّوَامِخِ ، الصُّمِّ ، الصِّلَابِ وَكَيْفَ أَوْدَعَ الْمِيَاهَ تَحْتَهَا فَفَجَّرَ الْعُيُونَ وَأَسَالَ الْأَنْهَارَ تَجْرِي عَلَى وَجْهِهَا وَأَخْرَجَ مِنَ الْحِجَارَةِ الْيَابِسَةِ ، وَمِنَ التُّرَابِ الْكَدِرِ مَاءً رَقِيقًا عَذْبًا ، صَافِيًا ، زُلَالًا وَجَعَلَ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَأَخْرَجَ بِهِ فُنُونَ الْأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ ، مِنْ حَبٍّ ، وَعِنَبٍ ، وَقَضْبٍ ، وَزَيْتُونٍ ، وَنَخْلٍ ، وَرُمَّانٍ ، وَفَوَاكِهَ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى ، مُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ ، وَالْأَلْوَانِ ، وَالطُّعُومِ ، وَالصِّفَاتِ وَالْأَرَايِيحِ ، يُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأَكْلِ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ، وَتَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ .
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ اخْتِلَافَهَا بِاخْتِلَافِ بُذُورِهَا وَأُصُولِهَا فَمَتَى كَانَ فِي النَّوَاةِ نَخْلَةٌ مُطَوَّقَةٌ بِعَنَاقِيدِ الرُّطَبِ وَمَتَى ؟! كَانَ فِي حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعُ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ ؟! ثُمَّ انْظُرْ إِلَى أَرْضِ الْبَوَادِي ، وَفَتِّشْ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا ، فَتَرَاهَا تُرَابًا مُتَشَابِهًا فَإِذَا أَنْزَلَ عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً ، وَنَبَاتًا مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ طَعْمٌ وَرِيحٌ وَلَوْنٌ وَشَكْلٌ يُخَالِفُ الْآخَرَ فَانْظُرْ إِلَى كَثْرَتِهَا وَاخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا ، وَكَثْرَةِ أَشْكَالِهَا ثُمَّ اخْتِلَافِ طَبَائِعِ النَّبَاتِ ، وَكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَكَيْفَ . أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَقَاقِيرَ الْمَنَافِعَ الْغَرِيبَةَ ، فَهَذَا النَّبَاتُ يُغَذِّي وَهَذَا يُقَوِّي وَهَذَا يُحْيِي وَهَذَا يَقْتُلُ وَهَذَا يُبَرِّدُ ، وَهَذَا يُسَخِّنُ ، وَهَذَا إِذَا حَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ قَمَعَ الصَّفْرَاءَ مِنْ أَعْمَاقِ الْعُرُوقِ وَهَذَا يَسْتَحِيلُ إِلَى الصَّفْرَاءِ وَهَذَا يَقْمَعُ الْبَلْغَمَ ، وَالسَّوْدَاءَ ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ إِلَيْهِمَا ، وَهَذَا يُصَفَّى الدَّمَ وَهَذَا يَسْتَحِلُّ دَمًا وَهَذَا يُفَرِّحُ وَهَذَا يُنَوِّمُ وَهَذَا يُقَوِّي ، وَهَذَا يُضْعِفُ . فَلَمْ تَنْبُتْ مِنَ الْأَرْضِ وَرَقَةٌ ، وَلَا تِبْنَةٌ ، إِلَّا وَفِيهَا مَنَافِعُ لَا يَقْوَى الْبَشَرُ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى كُنْهِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا النَّبَاتِ يَحْتَاجُ الْفَلَّاحُ فِي تَرْبِيَتِهِ إِلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ فَالنَّخْلُ تُؤَبَّرُ وَالْكَرْمُ يُكْسَحُ وَالزَّرْعُ يُنَقَّى عَنْهُ الْحَشِيشُ وَالدَّغَلُ وَبَعْضُ ذَلِكَ يُسْتَنْبَتُ بِبَثِّ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَبَعْضُهُ بِغَرْسِ الْأَغْصَانِ وَبَعْضُهُ يُرَكَّبُ فِي الشَّجَرِ . وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ اخْتِلَافَ أَجْنَاسِ النَّبَاتِ وَأَنْوَاعَهُ ، وَمَنَافِعَهُ ، وَأَحْوَالَهُ ، وَعَجَائِبَهُ لَا نَقَضَتْ ، الْأَيَّامُ فِي وَصْفِ ذَلِكَ ، فَيَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ تَدُلُّكَ عَلَى طَرِيقِ الْفِكْرِ فَهَذِهِ عَجَائِبُ النَّبَاتِ .