وهذا الباب أيضا لا حصر له ، وإنما سقط تعجب القلوب منها لأنسها بكثرة المشاهدة ، نعم إذا رأى حيوانا غريبا ولو دودا تجدد تعجبه ، وقال : سبحان الله ما أعجبه ! والإنسان أعجب الحيوانات وليس يتعجب من نفسه بل لو نظر إلى الأنعام التي ألفها ، ونظر إلى أشكالها وصورها ، ثم إلى منافعها وفوائدها من جلودها ، وأصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها ، التي جعلها الله لباسا لخلقه وأكنانا ، لهم في ظعنهم وإقامتهم ، وآنية لأشربتهم ، وأوعية لأغذيتهم ، وصوانا لأقدامهم ، وجعل ألبانها ولحومها أغذية لهم ، ثم جعل بعضها زينة للركوب ، وبعضها حاملة للأثقال ، قاطعة للبوادي والمفازات البعيدة لأكثر الناظر التعجب من حكمة خالقها ومصورها ، فإنه ما خلقها إلا بعلم محيط بجميع منافعها سابق على خلقه إياها . فسبحان من الأمور مكشوفة في علمه من غير تفكر ، ومن غير تأمل وتدبر ومن غير استعانة بوزير أو مشير فهو العليم الخبير القدير فلقد استخرج بأقل القليل مما خلقه صدق الشهادة من قلوب العارفين بتوحيده ، فما للخلق إلا الإذعان لقهره وقدرته ، والاعتراف بربوبيته ، والإقرار بالعجز عن معرفة جلاله وعظمته ، فمن ذا الذي يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه وإنما غاية معرفتنا الاعتراف بالعجز عن معرفته فنسأل الله تعالى أن يكرمنا بهدايته بمنه ورأفته . فإن الحيوانات ، وأشكالها ، وأخلاقها ، وطباعها ، غير محصورة ،