قالت رضي الله عنها عائشة عبد الرحمن وبيده سواك فجعل ينظر إليه ، فعرفت أنه يعجبه ذلك ، فقلت له : آخذه لك ؟ فأومأ برأسه ، أي : نعم ، فناولته إياه فأدخله في فيه فاشتد عليه ، فقلت ألينه : لك فأومأ برأسه أي : نعم فلينته ، وكان بين يديه ركوة ماء فجعل يدخل فيها يده ويقول : لا إله إلا الله ، ثم نصب يده يقول : الرفيق الأعلى الرفيق الأعلى فقلت إذن والله لا يختارنا إن للموت لسكرات ، وروى فقبض صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري ، وجمع الله بين ريقي وريقه عند الموت ، فدخل علي أخي سعيد بن عبد الله عن أبيه قال لما رأت الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد ، فدخل رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم ، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ، ثم دخل عليه العباس رضي الله عنه فأعلمه بمثله فمد يده وقال : ها ، فتناولوه ، فقال : ما تقولون ؟ قالوا نقول : نخشى أن تموت ، وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج متوكئا على علي علي والفضل ، أمامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجليه حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر ، وثاب الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إنه بلغني أنكم تخافون علي الموت كأنه استنكار منكم للموت ، وما تنكرون من موت نبيكم ، ألم أنع إليكم وتنعى إليكم أنفسكم ؟ هل خلد نبي قبلي فيمن بعث فأخلد فيكم ؟ ألا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون به ، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا ، وأوصي المهاجرين فيما بينهم ، فإن الله عز وجل قال : والعباس والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلى آخرها ، وإن الأمور تجري بإذن الله ، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله ، فإن الله عز وجل لا يعجل لعجلة أحد ، ومن غالب الله غلبه ، ومن خادع الله خدعه ، فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم فإنهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم ، أن تحسنوا إليهم ، ألم يشاطروكم الثمار ؟ ألم يوسعوا عليكم في الديار ؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة ؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ، ألا ولا تستأثروا عليهم ، ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي ، ألا وإن موعدكم الحوض ، حوضي أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن ، يصب فيه ميزاب الكوثر ماؤه أشد بياضا من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد ، من شرب منه لم يظمأ أبدا ، حصباؤه اللؤلؤ وبطحاؤه المسك ، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كله ، ألا فمن أحب أن يرده علي غدا فليكفف لسانه ويده ، إلا مما ينبغي ، فقال وأوصيكم بالأنصار خيرا ، يا نبي الله ، أوص بقريش ، فقال : إنما أوصي بهذا الأمر قريشا والناس تبع لقريش ، برهم لبرهم وفاجرهم لفاجرهم ، فاستوصوا آل قريش بالناس خيرا ، يا أيها الناس ، إن الذنوب تغير النعم وتبدل القسم ، فإذا بر الناس برهم أئمتهم ، وإذا فجر الناس عقولهم ، قال الله تعالى : العباس وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود رضي الله عنه : سل يا لأبي بكر فقال : يا رسول الله ، دنا الأجل ، فقال : قد دنا الأجل وتدلى فقال : ليهنك يا نبي الله ما عند الله ، فليت شعري عن منقلبنا ، فقال : إلى الله وإلى سدرة المنتهى ، ثم إلى جنة المأوى ، والفردوس الأعلى ، والكأس الأوفى ، والرفيق الأعلى ، والحظ والعيش المهنا ، فقال : يا نبي الله من يلي غسلك ؟ قال : رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى ، قال : ففيم نكفنك ؟ فقال : في ثيابي هذه وفي حلة يمانية وفي بياض مصر ، فقال : كيف الصلاة عليك منا ؟ وبكينا وبكى ، ثم قال : مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا : إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ، ثم اخرجوا عني ساعة ، فإن أول من يصلي علي الله عز وجل أبا بكر ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي ، فأول من يدخل علي من خلق الله ويصلي علي جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة ، ثم الملائكة بأجمعها ، ثم أنتم فادخلوا علي أفواجا ، فصلوا علي أفواجا زمرة زمرة وسلموا تسليما ، ولا تؤذوني بتزكية ولا صيحة ولا رنة ، وليبدأ منكم الإمام وأهل البيت الأدنى فالأدنى ، ثم زمر النساء ، ثم زمر الصبيان ، قال : فمن يدخلك القبر ؟ قال : زمر من أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة لا ترونهم وهم يرونكم قوموا فأدوا إلى من بعدي .