قالت رضي الله عنها وما قلت ذاك : ولا صرفته عن عائشة إلا رغبة به عن الدنيا ، ولما في الولاية من المخاطرة والهلكة إلا من سلم الله ، وخشيت أيضا أن لا يكون الناس يحبون رجلا صلى في مقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي أبدا إلا أن يشاء الله فيحسدونه ويبغون عليه ويتشاءمون به فإذن ، الأمر أمر الله والقضاء قضاؤه ، وعصمه الله من كل ما تخوفت عليه من أمر الدنيا والدين وقالت أبي بكر رضي الله عنها فلما . عائشة
كان صلى الله عليه وسلم رأوا منه خفة في أول النهار فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين وأخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء ، فبينا نحن على ذلك لم نكن على مثل حالنا في الرجاء والفرح قبل ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجن عني ، هذا الملك يستأذن علي فخرج من في البيت غيري ورأسه في حجري فجلس وتنحيت في جانب البيت فناجى الملك طويلا ، ثم إنه دعاني فأعاد رأسه في حجري ، وقال للنسوة : ادخلن ، فقلت ما هذا بحس اليوم الذي مات فيه رسول الله جبريل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني فقال : إن الله عز وجل أرسلني وأمرني أن لا أدخل عليك إلا بإذن فإن لم تأذن لي أرجع وإن أذنت لي دخلت، وأمرني أن لا أقبضك حتى تأمرني فماذا أمرك فقلت اكفف عني حتى يأتيني جبريل عليه السلام، فهذه ساعة جبريل فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها فاستقبلنا بأمر لم يكن له عندنا جواب ولا رأي ، فوجمنا وكأنما ضربنا بصاخة ما نحير إليه شيئا وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاما لذلك الأمر وهيبة ملأت أجوافنا ، قالت : وجاء جبريل في ساعته فسلم فعرفت حسه ، وخرج أهل البيت فدخل فقال : إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول : كيف تجدك ؟ وهو أعلم بالذي تجد منك ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق وأن تكون سنة في أمتك فقال : أجدني وجعا فقال : أبشر ، فإن الله تعالى أراد أن يبلغك ما أعد لك ، فقال : يا جبريل ، إن ملك الموت استأذن علي ، وأخبره الخبر ، فقال جبريل : يا محمد إن ، ربك إليك مشتاق ، ألم يعلمك الذي يريد بك ؟ لا والله ما استأذن ملك الموت على أحد قط ، ولا يستأذن عليه أبدا ، إلا أن ربك متم شرفك وهو إليك مشتاق ، قال : فلا تبرح إذن حتى يجيء ، وأذن للنساء فقال : يا فاطمة ، ادني فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وعيناها تدمع وما تطيق الكلام ثم قال : أدني مني رأسك ، فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك وما تطيق الكلام فكان ، الذي رأينا منها عجبا فسألناها بعد ذلك فقالت : أخبرني وقال : إني ميت اليوم فبكيت ثم قال : إني دعوت الله أن يلحقك بي في أول أهلي ، وأن يجعلك معي فضحكت وأدنت ابنيها منه فشمهما قالت وجاء ملك الموت ، فسلم واستأذن فأذن له ، فقال الملك .
: ما تأمرنا يا محمد ، قال ألحقني : بربي الآن ، فقال : بلى من يومك هذا ، أما إن ربك إليك مشتاق ولم يتردد عن أحد تردده عنك ، ولم ينهني عن الدخول على أحد إلا بإذن غيرك ، ولكن ساعتك أمامك ، وخرج ، قالت وجاء : جبريل ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، هذا آخر ما أنزل فيه إلى الأرض أبدا ، طوي الوحي وطويت الدنيا ، وما كان لي في الأرض حاجة غيرك وما لي ، فيها حاجة إلا حضورك ، ثم لزوم موقفي لا ، والذي بعث محمدا بالحق ما في البيت أحد يستطيع أن يحير إليه في ذلك كلمة ولا يبعث إلى أحد من رجاله لعظم ما يسمع من حديثه ووجدنا وإشفاقنا . قالت : فقمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أضع رأسه بين ثديي وأمسكت بصدره ، وجعل يغمى عليه حتى يغلب وجبهته ترشح رشحا ما رأيته من إنسان قط ، فجعلت أسلت ذلك العرق وما وجدت رائحة شيء أطيب منه فكنت أقول له إذا أفاق بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ما تلقى جبهتك من الرشح ، فقال يا إن نفس المؤمن تخرج بالرشح ونفس الكافر تخرج من شدقيه كنفس الحمار فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلنا فكان أول رجل جاءنا ولم يشهده أخي بعثه إلي أبي فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء أحد وإنما صدهم الله عنه ; لأنه ولاه عائشة : جبريل وميكائيل وجعل إذا أغمي عليه قال : بل الرفيق الأعلى ، كأن الخيرة تعاد عليه ، فإذا أطاق الكلام قال : الصلاة الصلاة إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا الصلاة الصلاة ، كان يوصي بها حتى مات وهو يقول : الصلاة الصلاة .