هُوَ الْمَوْتُ لَا مَنْجَا مِنَ الْمَوْتِ وَالَّذِي نُحَاذِرُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَدْهَى وَأَفْظَعُ
لَا يَبْعَدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ وَسَقَى الْغَوَادِي قَبْرَهُ بِذُنُوبِ
بَكَى حَارِثُ الْجُولَانِ مِنْ فَقْدِ أَهْلِهِ فَحُورَانُ مِنْهُ مُوحِشٌ مُتَضَايِقُ
جَبَلٌ تَزَعْزَعَ ثُمَّ صَالَ بِرُكْنِهِ فِي الْبَحْرِ لَا ارْتَفَعَتْ عَلَيْهِ الْأَبْحُرُ
لَعَمْرِي لَقَدْ عَمَّرْتُ فِي الْمُلْكِ بُرْهَةً وَدَانَتْ لِيَ الدُّنْيَا بِوَقْعِ الْبَوَاتِرِ
فَأَضْحَى الَّذِي قَدْ كَانَ قَبْلُ يَسُرُّنِي كَحُلْمٍ مَضَى فِي الْمُزْمَنَاتِ الْغَوَابِرِ
فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أُغْنَ فِي النَّاسِ سَاعَةً وَلَمْ أُغْنَ فِي لَذَّاتِ عَيْشٍ مُفَاخِرِ
وَكُنْتُ كَذِي طِمْرَيْنِ عَاشَ بِبُلْغَةٍ مِنَ الْعَيْشِ حَتَّى صَارَ رَهْنَ الْمَقَابِرِ
ذَهَبَتْ لِدَاتِي وَانْقَضَتْ آثَارُهُمْ وَغَبَرْتُ بَعْدَهُمْ وَلَسْتُ بِغَابِرِ
وَغَبَرْتُ بَعْدَهُمْ فَاسْكُنْ مَرَّةً بَطْنَ الْعَقِيقِ وَمَرَّةً بِالظَّاهِرِ
وَمِنْ يَحْمَدُ الدُّنْيَا لِأَمْرٍ يَسَرُّهُ فَسَوْفَ لَعَمْرِي عَنْ قَلِيلٍ يَلُومُهَا
إِذَا أَدْبَرَتْ كَانَتْ عَنَاءً وَحَسْرَةً وَإِنْ أَقْبَلَتْ كَانَتْ كَثِيرًا هُمُومُهَا
وَكُلُّ جَدِيدٍ يَا أُمَيْمُ إِلَى الْبِلَى وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا يَصِيرُ إِلَى كَانَ
كَأَنِّي وَقَدْ خَلَّفْتَ سَبْعِينَ حِجَّةً خَلَعْتُ بِهَا عَنْ مَنْكِبِي رِدَائِيَا
رَمَتْنِي سِهَامُ الدَّهْرِ مِنْ حَيْثُ لَا أَرَى فَكَيْفَ بِمَنْ يُرْمَى وَلَيْسَ بِرَامِ
فَلَوْ أَنَّهَا نَبْلٌ إِذًا لَاتَّقَيْتُهَا وَلَكِنَّمَا أُرَمَى بِغَيْرِ سِهَامِ
فَأَفْنَى وَمَا أَفْنَى مِنَ الدَّهْرِ لَيْلَةً وَلَمْ يُغْنِ مَا أَفْنَيْتُ سِلْكَ نِظَامِ
بَاتَتْ تَشْتَكِي إِلَى الْمَوْتِ مُجْهِشَةً وَقَدْ حَمَلَتْكَ سَبْعًا بَعْدِ سَبْعِينَا
فَإِنْ تَزِيدِي ثَلَاثًا تَبْلُغِي أَمَلًا وَفِي الثَّلَاثِ وَفَاءٌ لِلثَّمَانِينَا
كَأَنِّي وَقَدْ خَلَّفْتُ تِسْعِينَ حِجَّةً خَلَعْتُ بِهَا عَنْ مَنْكِبِي رِدَائِيَا
تُطَارِحُنِي يَوْمًا جَدِيدًا وَلَيْلَةً هُمَا أَبْلَيَا عَظْمِي وَكُلُّ امْرِئٍ بَالِي
وَمَا لِلَّيَالِي لَا يُغَيِّرْنَ صُورَتِي وَأَبْلَيْنَ أَعْمَامِي وَأَبْلَيْنَ أَخْوَالِي
إِذَا مَا سَلَخْتُ الشَّهْرَ أَهَلَّلْتُ مِثْلَهُ كَفَى قَاتِلًا سَلْخُ الشُّهُورِ وَإِهْلَالِي
رَأَيْتُ الْمَرْءَ تَأْكُلُهُ اللَّيَالِي كَأَكْلِ الْأَرْضِ سَاقِطَةَ الْحَدِيدِ
وَمَا تَجِدُ الْمَنَيَّةَ حِينَ تَأْتِي عَلَى نَفْسِ ابْنِ آدَمَ مِنْ مَزِيدِ
وَاعْلَمْ أَنَّهَا سَتَكُرُّ حَتَّى تُوفِي نَذْرَهَا بِأَبِي الْوَلِيدِ
لَئِنْ فَجُعْتَ بِالْقُرَنَاءِ يَوْمًا لَقَدْ مُتِّعَتْ بِالْأَمَلِ الْبَعِيدِ
وَمَا عِنْدَ الْمَنِيَّةِ فَوْقَ نَفْسِي وَلَا نَفْسِ الْأَحِبَّةِ مِنْ مَزِيدِ
خُلِقْنَا أَنْفُسًا وَبَنِي نُفُوسٍ وَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدِ
وَمَنْ يُبْقِ مَالًا عُدَّةً وَصِيَانَةً فَلَا الشُّحُّ يُبْقِيهِ وَلَا الدَّهْرُ وَافِرِهُ
وَمَنْ يَكُ ذَا عُودٍ صَلِيبٍ يَعُدُّهُ لِيَكْسِرَ عُودَ الدَّهْرِ فَالدَّهْرُ كَاسِرِهُ
هو الموت لا منجا من الموت والذي نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
لا يبعدن ربيعة بن مكدم وسقى الغوادي قبره بذنوب
بكى حارث الجولان من فقد أهله فحوران منه موحش متضايق
جبل تزعزع ثم صال بركنه في البحر لا ارتفعت عليه الأبحر
لعمري لقد عمرت في الملك برهة ودانت لي الدنيا بوقع البواتر
فأضحى الذي قد كان قبل يسرني كحلم مضى في المزمنات الغوابر
فيا ليتني لم أغن في الناس ساعة ولم أغن في لذات عيش مفاخر
وكنت كذي طمرين عاش ببلغة من العيش حتى صار رهن المقابر
ذهبت لداتي وانقضت آثارهم وغبرت بعدهم ولست بغابر
وغبرت بعدهم فاسكن مرة بطن العقيق ومرة بالظاهر
ومن يحمد الدنيا لأمر يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت عناء وحسرة وإن أقبلت كانت كثيرا همومها
وكل جديد يا أميم إلى البلى وكل امرئ يوما يصير إلى كان
كأني وقد خلفت سبعين حجة خلعت بها عن منكبي ردائيا
رمتني سهام الدهر من حيث لا أرى فكيف بمن يرمى وليس برام
فلو أنها نبل إذا لاتقيتها ولكنما أرمى بغير سهام
فأفنى وما أفنى من الدهر ليلة ولم يغن ما أفنيت سلك نظام
باتت تشتكي إلى الموت مجهشة وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تزيدي ثلاثا تبلغي أملا وفي الثلاث وفاء للثمانينا
كأني وقد خلفت تسعين حجة خلعت بها عن منكبي ردائيا
تطارحني يوما جديدا وليلة هما أبليا عظمي وكل امرئ بالي
وما لليالي لا يغيرن صورتي وأبلين أعمامي وأبلين أخوالي
إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله كفى قاتلا سلخ الشهور وإهلالي
رأيت المرء تأكله الليالي كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تجد المنية حين تأتي على نفس ابن آدم من مزيد
واعلم أنها ستكر حتى توفي نذرها بأبي الوليد
لئن فجعت بالقرناء يوما لقد متعت بالأمل البعيد
وما عند المنية فوق نفسي ولا نفس الأحبة من مزيد
خلقنا أنفسا وبني نفوس ولسنا بالجبال ولا الحديد
ومن يبق مالا عدة وصيانة فلا الشح يبقيه ولا الدهر وافره
ومن يك ذا عود صليب يعده ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره