ولا عن الاعتبار به وإنما يحصل له الاعتبار بأن يصور في قلبه الميت كيف تفرقت أجزاؤه وكيف يبعث من قبره وأنه على القرب سيلحق به كما روي عن فالمقصود من زيارة القبور للزائر الاعتبار بها وللمزور الانتفاع بدعائه فلا ينبغي أن يغفل الزائر عن الدعاء لنفسه وللميت مطرف بن أبي بكر الهذلي قال : كانت عجوز في عبد القيس متعبدة فكان إذا جاء الليل تحزمت ثم قامت إلى المحراب وإذا جاء النهار خرجت إلى القبور فبلغني أنها عوتبت في كثرة إتيانها المقابر فقالت : إن وإني لآتي القبور فكأني أنظر ، وقد خرجوا من بين أطباقها وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة وإلى تلك الأجسام المتغيرة وإلى تلك الأكفان الدسمة فيا لها من نظرة لو أشربها العباد قلوبهم ما أنكل مرارتها للأنفس وأشد تلفها للأبدان بل ينبغي أن يحضر من صورة الميت ما ذكره القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى حيث دخل عليه فقيه فتعجب من تغير صورته لكثرة الجهد والعبادة فقال له : يا فلان لو رأيتني بعد ثلاث وقد أدخلت قبري وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين وتقلصت الشفتان عن الأسنان وخرج الصديد من الفم وانفتح الفم ونتأ البطن فعلا الصدر وخرج الصلب من الدبر ، وخرج الدود والصديد من المناخر لرأيت أعجب مما تراه الآن . عمر بن عبد العزيز
ويستحب وأن لا يذكر إلا بالجميل قالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول ، الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه وقال صلى الله عليه وسلم : الثناء على الميت فإنهم أفضوا إلى ما قدموا وقال صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا الأموات لا تذكروا موتاكم إلا بخير فإنهم إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا وأن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه وقال مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها شرا فقال عليه السلام وجبت ، ومروا بأخرى فأثنوا عليها خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، فسأله أنس بن مالك عن ذلك فقال : إن هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، وأنتم شهداء الله في الأرض وقال عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة إن العبد ليموت فيثني عليه القوم الثناء يعلم الله منه غيره فيقول الله تعالى لملائكته : أشهدكم أني قد قبلت شهادة عبيدي على عبدي ، وتجاوزت عن علمي في عبدي .