قال: "والذي عندي في تأويل هذا الخبر إن صح من [ ص: 388 ] جهة النقل موصولا، فإن للخبر عللا ثلاثا:
إحداهن: أن قد خالف الثوري في إسناده فأرسل الأعمش ولم يقل عن الثوري ابن عمر.
والثانية: أن مدلس، لم يذكر أنه سمعه من الأعمش حبيب ابن أبي ثابت.
والثالثة: أن –أيضا- مدلس، لم يعلم أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت عطاء، سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن [ ص: 389 ] قال: قال الأعمش، [لو حدثني رجل عنك بحديث لم أبال أن أرويه عنك يريد لم أبال أن أدلسه]". حبيب بن أبي ثابت:
قال أبو بكر: "ومثل هذا الخبر [لا يكاد يحتج به علماؤنا من أهل الأثر] لاسيما إذا كان الخبر في مثل هذا الجنس فيما يوجب العلم لو ثبت، [لا فيما] يوجب العمل لما قد يستدل على صحته، وثبوته، بدلائل من نظر، وتشبيه، وتمثيل معين من سنن [ ص: 390 ] النبي صلى الله عليه وسلم".
قال: "فإن صح هذا الخبر مسندا بأن يكون قد سمعه من الأعمش حبيب بن أبي ثابت، قد سمعه من وحبيب بن أبي ثابت وصح أنه عن عطاء بن أبي رباح، على ما رواه ابن عمر فمعنى هذا الخبر عندنا: أن الأعمش، إنما هو من إضافة الخلق إليه، لأن الخلق يضاف إلى الرحمن، إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن، لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل: إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه [لقمان: 11]، فأضاف الله الخلق إلى نفسه، إذ الله تولى خلقه، وكذلك قوله تعالى: هذه ناقة الله لكم آية فأضاف الله الناقة إلى نفسه، وقال: تأكل في أرض الله ، وقال: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [النساء: 97]، [ ص: 391 ] وقال: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده [الأعراف: 128]، فأضاف الأرض إلى نفسه، إذ الله تولى خلقها وبسطها، وقال: فطرت الله التي فطر الناس عليها [الروم: 30] فما أضاف الله على نفسه على معنيين:
أحدهما: إضافة الذات.
والآخر: إضافة الخلق.
[فتفهموا] هذين المعنيين لا تغالطوا".
قال: "فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسندا، فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن، حين صور آدم، ثم نفخ فيه الروح، قال الله جل وعلا: ولقد خلقناكم ثم صورناكم [الأعراف: 11]. والدليل على صحة هذا التأويل أن حدثنا، قال حدثنا أبا موسى محمد بن المثنى أبو عامر عبد الملك بن [ ص: 392 ] عمرو، قال حدثنا عن المغيرة بن عبد الرحمن، أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن [ ص: 393 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة، حدثنا "خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعا"، عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، حدثنا أنا عبد الرزاق، عن معمر قال: هذا ما أنبأنا همام بن منبه عن أبو هريرة، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، [ ص: 394 ] فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال: فذهب، فقال: السلام عليكم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، طوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن"، قال "خلق الله أبو بكر فصورة آدم هي ستون ذراعا، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم خلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتبحر العلم، فظن أن قوله: "على صورته" على صورة الرحمن صفة من صفات ذاته، عز وجل عن أن يوصف بالذرعان والأشبار، قد وقال: نزه الله [ ص: 395 ] نفسه وتقدس عن صفات المخلوقين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11]، وهو كما وصف نفسه في كتابه، على لسان نبيه، لا كصفات المخلوقين، من الحيوان، ولا من الموتان، كما شبه الجهمية معبودهم بالموتان، لا ولا كما شبه الغالية من الرافضة معبودهم ببني آدم، قبح الله هذين القولين وقائلهما، حدثنا [ ص: 396 ] أحمد بن منيع، ومحمود بن خداش، قالا: حدثنا أبو سعد الصاغاني، قال: حدثنا عن أبو جعفر الرازي، الربيع بن [أنس]، عن [ ص: 397 ] عن أبي العالية أبي بن كعب: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص: 1-4] قال: ولم يكن له شبيه، ولا عدل، وليس كمثله شيء، وقال (أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ابن خداش في حديثه: فالصمد الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد [ ص: 398 ] إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله لا يموت ولا يورث). والباقي مثل لفظ ابن منيع".
هذا مجموع ما ذكره ابن خزيمة.