وقال في (كتاب السنة): "أخبرني أبو بكر الخلال، يوسف ابن موسى، أن قيل له: ولا يشبه ربنا تبارك وتعالى شيئا من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه، قال: نعم، أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- ليس كمثله شيء".
[ ص: 510 ] قال "وأخبرني الخلال: علي بن عيسى، أن حنبلا حدثه، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق، إذا كانت بأسانيد [ ص: 511 ] صحاح، ولا يرد على الله تعالى قوله، بلا حد، ولا غاية، ليس كمثله شيء". ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه،
[ ص: 512 ] وقال حنبل في موضع آخر: "قال [ليس] كمثله شيء في ذاته، كما وصف به نفسه فقد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه، فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء. فعبد الله يصف الله غير محدود ولا معلوم إلا بما وصف به نفسه، قال الله تبارك وتعالى: وهو السميع البصير [الشورى: 11].
وقال حنبل في موضع آخر: "فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفاته، منه له، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك، ولا [تبلغه] صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، و[ما] وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة، ووضعه كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله [ ص: 513 ] بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير، لم يزل متكلما، عالما، غفورا، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، كما قال: وهو على العرش بلا حد، ثم استوى على العرش كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل والاستطاعة له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11]، وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه سميع، بصير، بلا حد، ولا تقدير، قول إبراهيم لأبيه: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر [مريم: 42] فثبت أن الله سميع بصير، صفاته منه، لا نتعدى القرآن والحديث، والخبر. إلا بتصديق الرسول عليه السلام، وتثبيت القرآن، لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد تعالى الله عما يقول يضحك الله، ولا يعلم كيف ذلك، الجهمية والمشبهة.
وقال لي أبو عبد الله: قال لي إسحاق بن إبراهيم لما قرأ [ ص: 514 ] الكتاب بالمحنة: تقول ليس كمثله شيء؟ [فقلت: ليس كمثله شيء] وهو السميع البصير [الشورى: 11] قال: ما أردت بهذا؟ قلت القرآن: صفة من صفات الله تعالى وصف بها نفسه، لا ننكر ذلك، ولا نرده، قلت له: والمشبهة ما يقولون؟ قال: من قال: بصر كبصري، ويد كيدي، قال حنبل في موضع آخر: وقدم كقدمي، فقد شبه الله تعالى بخلقه، وهذا يحد وهو كلام سوء وهو محدود، [ ص: 515 ] والكلام في هذا لا أحبه. قال عبد الله: "جردوا القرآن"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: نؤمن به ولا نحده ولا [نرده] على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نؤمن به، قال الله تعالى: "يضع قدمه". وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7]. فقد أمر [الله] عز وجل بالأخذ بما جاء، والنهي عما نهى، وأسماؤه وصفاته غير مخلوقة ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك، إنه على كل شيء قدير".
قال: "وزاد عن أبو القاسم الجبلي حنبل في هذا الكلام، [ ص: 516 ] وقال تبارك وتعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم - هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر [الحشر: 23] هذه صفات الله عز وجل وأسماؤه تبارك وتعالى.
والذي جاء به الشرع في هذا النص من قوله: آدم على صورته" ونحوه، فإنه أخص مما يعلم بمجرد العقل من ثبوت القدر المشترك بينه وبين كل موجود، أو كل حي، فإن هذا المدلول عليه بالنص لا يعلم بالعقل والقياس، وإنما يعلم أصل ذلك مجملا. "خلق