ومن الأحاديث أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم قالها العلماء ورووها ولم يفسروها، ومن فسرها برأيه اتهموه، فقد كتب إلى [ ص: 241 ] أن علي بن خشرم سئل عن حديث وكيعا عبد الله بن عمرو «الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس» فقال [ ص: 242 ] هذا حديث مشهور، وقد روى فيه يروي. فإن سألوا عن تفسيره لم يفسر لهم ويتهم من ينكره وينازع فيه، وكيع: والجهمية تنكره.
فلو اقتديت أيها المعارض في مثل هذه الأحاديث الصعبة المشكلة المعاني كان أسلم لك من أن تنكره مرة ثم تثبته أخرى ثم تفسره تفسيرا لا ينقاس في أثر ولا قياس عن حزب بوكيع المريسي والثلجي ونظرائهم، ثم لا حاجة لمن بين ظهريك من الناس إلى مثل هذه الأحاديث، ثم فسرته تفسيرا أوحش من الأول، فقلت: يحتمل أن يكون هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت على ربي في جنة عدن شابا جعدا» وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شابا في الجنة من أولياء الله وافاه رسوله في جنة عدن فقال: «دخلت على ربي» فقد ادعى المعارض على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرا عظيما أنه دخل الجنة فرأى شابا من أولياء الله [ ص: 243 ] فقال: ثم قال بعدما فسر هذه التفاسير المقلوبة قال: ويحتمل أن يكون هذا من الأحاديث التي وضعتها الزنادقة، فدسوها في كتب المحدثين. «رأيت ربي»
فيقال لهذا المعارض الأحمق الذي تتلعب به الشياطين: وأي زنديق استمكن من كتب المحدثين مثل حماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان وشعبة ومالك ونظرائهم فيدسوا مناكير الحديث في كتبهم؟! وقد كان أكثر هؤلاء أصحاب حفظ، ومن كان منهم من أصحاب الكتب كانوا لا يكادون يطلعون على كتبهم أهل الثقة عندهم فكيف [ ص: 244 ] الزنادقة؟! وأي زنديق كان يجترئ أن يتراءى لأمثالهم ويزاحمهم في مجالسهم، فكيف يفتعلون عليهم الأحاديث ويدسونها في كتبهم؟ أرأيتك أيها الجاهل إن كان الحديث من وضع الزنادقة فلم تلتمس له الوجوه والمخارج من التأويل والتفسير كأنك تصوبه وتثبته؟! أفلا قلت أولا: إن هذا من وضع الزنادقة فتستريح وتريح من العناء والاشتغال بتفسيره، وتدعي في تفسيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل الجنة فرأى شابا من أولياء الله تعالى فقال: هذا ربي. غير أنك خلطت على نفسك، فوقعت في تشويش وتخليط لا تجد لنفسك مفزعا إلا بهذه التخاليط، ولن تجدي عنك شيئا عند أهل العلم والمعرفة، وكلما أكثرت من هذا وشبهه ازددت به فضيحة؛ لأن أحسن حجج الباطل تركه والرجوع عنه. ووكيع