الوجه الثاني: أن هذا قول طائفة من أصحابه، وإلا فآخرون منهم كأبي بكر بن فورك  وغيره يقولون:  "لا يجوز أن يكون الله محتجبا ولا محجوبا بحجاب"  وقالوا: "الحجاب  [ ص: 118 ] راجع إلى الخلق، لأنهم هم المحجوبون عنه بحجاب يخلقه فيهم، وهو عدم الإدراك في أبصارهم" قالوا: لأن ما ستر بالحجاب فالحجاب أكبر منه، ويكون متناهيا محاذيا جائزا عليه المماسة. 
ومنه قوله تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون   [المطففين: 15]. فجعل الكفار محجوبين عن رؤيته لما خلق فيهم من الحجاب، والحجاب الذي خلقه فيهم هو عدم الإدراك في أبصارهم، قالوا: ومن هذا أنه لم يضف الحجاب إلى الله، بل أطلق ذكر الحجاب، ويبين صحة هذا ما روي عن  علي،  أنه مر بقصاب وهو يقول: لا والذي احتجب  [ ص: 119 ] بسبعة أطباق، فقال  علي:  ويحك يا قصاب، إن الله لا يحتجب عن خلقه، وفي لفظ: إن الله لا يحتجب عن خلقه بشيء، ولكن حجب خلقه عنه. 
ومن حجة هؤلاء أنه إذا جاز أن يقال: هو محتجب، جاز أن يقال: هو محجوب، أي: هو حجب نفسه، لم يحجبه غيره. 
وقوله: "الحجب يشعر بالعجز والذل"  إنما ذاك إذا حجبه غيره، كما في المثال الذي ذكره من قولهم: فلان حجب عن الدخول على السلطان، أما لو قيل: إن السلطان قد حجب نفسه،  [ ص: 120 ] أو وكل من يحجبه، أو جعل حاجبا يحجبه، لم يكن ذلك مشعرا بالذلة والعجز، بل بالقوة، ولهذا يسمون الذي يحجبهم من الناس حاجبا، ويقولون: إنه يحجب الأمير، وسمي حاجب العين حاجبا لأنه يحجب العين. 
وأما  الأشعري  نفسه فذكر ما يوافق أهل الإثبات، أنه سبحانه وتعالى محتجب بالعرش والسموات،  فقال في مسألة العرش: "ومن دعاء المسلمين جميعا إذا هم رغبوا إلى الله عز وجل في الأمر النازل أنهم يقولون: يا ساكن العرش، ومن حلفهم: لا والذي احتجب بالعرش وسبع سماوات". 
				
						
						
