فصل
nindex.php?page=treesubj&link=29476_28713لفظ «الظرف» فيه اشتراك، غلط بسببه أقوام: فإن الظرف في اللغة قد يعنى به; الجسم الذي يوعى فيه غيره، فيظن إذا استعملت هذه الأدوات في حق الله تعالى، أنه محل المخلوقات تكون في جوفه، وأنها محل له يكون في جوفها، وهذا مما يعلم قطعا أن هذه الأدوات لم تدل على ذلك في حق الله تعالى ألبتة، بل النحاة سموا الألفاظ التي يعبر بها العرب عن المعاني، التي هي أعم من ذلك بالظروف، حتى يدخل في ذلك ما لا يحيط بالمظروف وأنواع متعددة، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=30ولو ترى إذ وقفوا على ربهم [الأنعام: 30] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم [السجدة: 12] وقال تعالى:
[ ص: 407 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون [الأعراف: 206] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=38فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون [فصلت: 38] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق عند مليك مقتدر [القمر: 55] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم [الزخرف: 4] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم [النمل: 6] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير [هود: 1] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [الأنعام: 59] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إن الله عنده علم الساعة [لقمان: 34].
ولفظ «مع» من الظروف، وقد أضيف اسم الله إليه، فيما شاء الله من المواضع. وإضافته إلى الظرف أبلغ من إضافة الظرف إليه، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يخافون ربهم من فوقهم [النحل: 50] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب [فاطر: 10] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4].
وحق لمن يكون هذا وأمثاله كلامه، إذا أراد الله رحمته أن يتوب منه، كما قال
أبو المعالي عند الموت: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل
لابن الجويني، وها أنا أموت على عقيدة أمي. وروي: على
[ ص: 408 ] عقيدة عجائز
نيسابور. ولهذا يقول مثل هؤلاء: عليكم بدين العجائز. فإن تلك العقيدة الفطرية التي للعجائز، خير من هذه الأباطيل، التي من شعب الكفر والنفاق، وهم يجعلونها من باب التحقيق والتدقيق.
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=29476_28713لَفْظُ «الظَّرْفِ» فِيهِ اشْتِرَاكٌ، غَلِطَ بِسَبَبِهِ أَقْوَامٌ: فَإِنَّ الظَّرْفَ فِي اللُّغَةِ قَدْ يُعْنَى بِهِ; الْجِسْمُ الَّذِي يُوعَى فِيهِ غَيْرُهُ، فَيُظَنُّ إِذَا اسْتَعْمَلْتَ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَنَّهُ مَحَلُّ الْمَخْلُوقَاتِ تَكُونُ فِي جَوْفِهِ، وَأَنَّهَا مَحَلٌّ لَهُ يَكُونُ فِي جَوْفِهَا، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ لَمْ تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ، بَلِ النُّحَاةُ سَمَّوُا الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُعَبِّرُ بِهَا الْعَرَبُ عَنِ الْمَعَانِي، الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بِالظُّرُوفِ، حَتَّى يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا لَا يُحِيطُ بِالْمَظْرُوفِ وَأَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=30وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ [الْأَنْعَامُ: 30] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [السَّجْدَةُ: 12] وَقَالَ تَعَالَى:
[ ص: 407 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الْأَعْرَافُ: 206] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=38فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فُصِّلَتْ: 38] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [الْقَمَرُ: 55] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزُّخْرُفُ: 4] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النَّمْلُ: 6] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هُودٌ: 1] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ [الْأَنْعَامُ: 59] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لُقْمَانُ: 34].
وَلَفْظُ «مَعَ» مِنَ الظُّرُوفِ، وَقَدْ أُضِيفَ اسْمُ اللَّهِ إِلَيْهِ، فِيمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْمَوَاضِعِ. وَإِضَافَتُهُ إِلَى الظَّرْفِ أَبْلَغُ مِنْ إِضَافَةِ الظَّرْفِ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النَّحْلُ: 50] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فَاطِرٌ: 10] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [الْمَعَارِجُ: 4].
وَحُقَّ لِمَنْ يَكُونُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ كَلَامَهُ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَتَهُ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ
أَبُو الْمَعَالِي عِنْدَ الْمَوْتِ: لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ، وَخَلَّيْتُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، وَدَخَلْتُ فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ، وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ، فَالْوَيْلُ
لِابْنِ الْجُوَيْنِيِّ، وَهَا أَنَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي. وَرُوِيَ: عَلَى
[ ص: 408 ] عَقِيدَةِ عَجَائِزِ
نَيْسَابُورَ. وَلِهَذَا يَقُولُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ: عَلَيْكُمْ بِدِينِ الْعَجَائِزِ. فَإِنَّ تِلْكَ الْعَقِيدَةَ الْفِطْرِيَّةَ الَّتِي لِلْعَجَائِزِ، خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبَاطِيلِ، الَّتِي مِنْ شُعَبِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَهُمْ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ.