ففي الصحيح عن تنازع المسلمون في تسمية الله بالدهر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أبي هريرة وفي الصحيح عن يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر، ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم» رضي الله عنه قال: أبي هريرة وفي رواية أخرى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار» هذه ألفاظ «يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما» [ ص: 412 ] مسلم.
قال في «إبطال التأويلات»: اعلم أن القاضي أبو يعلى قال: أخبرني أبا بكر الخلال بشر بن موسى الأسدي قال: سألت عن الدهر، فلم يجبني فيه بشيء. قال القاضي: وظاهر هذا أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل توقف عن الأخذ بظاهر الحديث، وقال أحمد حنبل: سمعت يقول [ ص: 413 ] هارون الحمال لأبي عبد الله: كنا عند سفيان بن عيينة بمكة، فحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقام «لا تسبوا الدهر» فتح بن سهل فقال: يا أبا محمد نقول: يا دهر ارزقنا: فسمعت سفيان يقول: خذوه فإنه جهمي. وهرب، فقال أبو عبد الله: القوم يردون الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نؤمن بها، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله» قال القاضي: «وظاهر هذا أنه أخذ بظاهر الحديث، ويحتمل أن يكون قوله: ونحن نؤمن بها راجع إلى أخبار الصفات في الجملة، ولم يرجع إلى هذا الحديث خاصة».
قال: «وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله رحمه الله -يعني ابن حامد- هذا الحديث في كتابه، وقال: والأمر على ما قاله، لأنه قد روي في بعض ألفاظ الحديث، ما يمنع من حمله على ظاهره هذا، ولم يرد في غيره من أخبار الصفات ما دل على صرفه عن ظاهره، فلهذا أوجب حملها على ظاهرها، وذلك أنه روي فيه: أنه لا يجوز أن يسمى الله دهرا. [ ص: 414 ] وفي لفظ آخر: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار» فبين أن الدهر، الذي هو الليل والنهار، خلق له وبيده، وأنه يجدده ويبليه، فامتنع أن يكون اسما له. وأصل هذا الخبر أنه ورد على سبب، وهو أن الجاهلية كانت تقول: أصابني الدهر في مالي بكذا، ونالتني قوارع الدهر ومصائبه. فيضيفون كل حادث يحدث بما هو جار بقضاء الله وقدره وخلقه وتقديره، من مرض أو صحة أو غنى أو فقر أو حياة أو موت إلى الدهر، ويقولون: لعن الله هذا الدهر والزمان; ولذلك قال قائلهم: «لي الليل والنهار أجدده وأبليه، وأذهب بملوك وآتي بملوك»
أمن المنون وريبه نتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
[ ص: 415 ] وقال تعالى: نتربص به ريب المنون [الطور: 30] أي: ريب الدهر وحوادثه، وقال سبحانه وتعالى: وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر [الجاثية: 24] فأخبر عنهم بما كانوا عليه من فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نسبة أقدار الله وأفعاله إلى الدهر، أي: إذا أصابتكم المصائب لا تنسبوها إليه، فإن الله هو الذي أصابكم بها لا الدهر، وإنكم إذا سببتم الدهر، وفاعل ذلك ليس هو الدهر. «لا تسبوا الدهر»وقال سألت أبو بكر الخلال: عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: إبراهيم الحربي، وعن: «لا يقول أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو [ ص: 416 ] الدهر» قال: «كانت الجاهلية تقول: الدهر هو الليل والنهار، يقولون: الليل والنهار فعل بنا كذا، فقال الله تعالى: أنا أفعل ليس الدهر». قال القاضي: «فقد بين «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» «إبراهيم الحربي» أن الخبر ليس على ظاهره، وأنه ورد على سبب. وذكر «أبو عبيد» نحو ما ذكرنا، فقال: لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه، وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين، واحتج به بعضهم فقال: ألا تراه يقول: «فإن الله هو الدهر» قال: وتأويله أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر، وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم الدهر. فيجعلونه الذي يفعل ذلك فيذمونه عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الذي يفعل بكم هذه الأشياء، أو يصيبكم بهذه المصائب، فإنكم إذا سببتم فاعلها فإنما يقع السب على الله تعالى، إذ هو الفاعل لها لا الدهر». [ ص: 417 ]