الوجه الثالث: فيقال له: إن هذا اللازم هو لازم لك، بل هو حقيقة قولك، فإن الحجة عندك إنما هو الدليل العقلي، والقرآن إن وافقه فالاعتماد عليه لا على القرآن، وإن خالفه أخذت به لا بالقرآن، والقرآن لا يستفاد به ما دل عليه، ولا يحتج به، بل إما أن يعرض عنه فلا ينظر بحال، وإما أن يجتهد في رفع دلالته بالاحتمالات لا في تقرير دلالته. قوله: "إذا كان لفظ الآية أو الخبر ظاهرا في معنى، فإنما يجوز لنا ترك ذلك الظاهر بدليل منفصل، [ ص: 449 ] وإلا لخرج الكلام عن أن يكون مفيدا، ولخرج القرآن عن أن يكون حجة".
فالقرآن على قولك ليس بحجة، ولا يفيد في هذا الباب، وإنما يحتج به عندك في المسائل الظنية الفروعية، وتلك يجوز فيها العدول عن ظاهر إلى ظاهر أرجح منه بالإجماع، وأنت قد قررت هنا أنه لا يجوز العدول عن ظاهر مرجوح إلى ما هو أرجح منه، فلم يبق عندك في هذا للقرآن في هذا الباب [ ص: 450 ] حرمة أصلا، ولا فيه فائدة، ولا هو حجة، فبطل احتجاجك.