ومما يبين ذلك أن التقسيم الأول بالنسبة إلى الدهر والزمان كالتقسيم الثاني بالنسبة إلى الحيز والمكان، فإن الحادث بالنسبة إلى الدهر والزمان كالمفتقر إلى محل بالنسبة إلى الحيز والمكان، والقديم لا تحصره الأزمنة كالمستقل الذي لا تحويه الأمكنة.
ثم قال هؤلاء: ثم المحدث الذي يستغني عن المحل هو الجوهر في اصطلاح المتكلمين، والمفتقر إلى المحل هو العرض، ويشتمل القسمين اسم: "العالم"، ثم إن طائفة من متكلمة المعتزلة لما أثبتوا أعراضا [لا ] في محل كالإرادة والكراهة والفناء اتفق سائر العقلاء على أن هذا خروج عن المعقول؛ لكونه أثبت ما لا يقوم بنفسه لا في محل، فكذلك من أثبت قائما بنفسه ليس مباينا لغيره، فإن علم العقل باستحالة [ ص: 375 ] عرض لا في محل كعلمه باستحالة قائم بنفسه ليس بمباين لغيره أو ليس بجسم، فإنه كما أن الأول فيه جمع بين المتناقضين في الحس والخيال والعقل كذلك في الثاني [جمع ] بين المتناقضين في الحس والخيال والعقل.
ثم قالوا: (فإن قيل: هل في المقدور حدوث ما يخرج عن القسمين؟ ).
قلنا: إنما يوصف الرب سبحانه وتعالى بالاقتدار على الممكنات، وليس ذلك من الممكنات، فإن الذي يحصره ويضبطه الذكر حسا أو حكما على هذا الحكم [قسمان ]: (أحدهما ) موجود وهو جرم متحيز لو اتصل بمثله اتصل به على طريق المجاورة لا بالمداخلة والحيثية؛ بل ينحاز أحدهما عن الآخر، ويختص عنه بجهة، ويصير أحد جهاته، ولو نظر الناظر إليهما أدركهما شيئين متجاورين، لكل واحد منهما حظ من المساحة، وما هذا وصفه قد يسمى قائما بنفسه لاستغنائه عن محل يقوم به فيكون صفة له، ومعنى تحيزه شغله الحيز، وأنه إذا وجد في فراغ أخرجه عن كونه فراغا، وما هذا وصفه يسمى [ ص: 376 ] جوهرا.