ثم قال الرازي: فنقول إن قوله تعالى: أحد يدل على أما دلالته على أنه تعالى ليس بجسم؛ فذلك لأن الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين، وذلك ينافي الوحدة. وقوله: نفي الجسمية ونفي الحيز والجهة، أحد مبالغة في الوحدانية؛ فكان قوله أحد منافيا للجسمية.
قال: وأما دلالته على أنه ليس بجوهر؛ فنقول: أما الذين [ ص: 92 ] ينكرون الجوهر الفرد فإنهم يقولون إن كل متحيز فلابد وأن يتميز أحد جانبيه عن الثاني، وذلك لأنه لابد أن يتميز يمينه عن يساره وقدامه عن خلفه وفوقه عن تحته، وكلما تميز فيه شيء عن شيء فهو منقسم لأن يمينه موصوف بأنه يمين لا يسار ويساره موصوف بأنه يسار لا يمين، فلو كان يمينه عين يساره لاجتمع في الشيء الواحد أنه يمين وليس بيمين ويسار وليس بيسار، فيلزم اجتماع النفي والإثبات في الشيء الواحد وهو محال. قالوا: فثبت أن كل متحيز فهو منقسم وثبت أن كل منقسم فهو ليس بأحد، فلما كان الله موصوفا بأنه أحد وجب أن لا يكون متحيزا أصلا وذلك ينفي كونه جوهرا.
وأما الذين يثبتون الجوهر الفرد فإنه لا يمكنهم الاستدلال [ ص: 93 ] على نفي كونه تعالى جوهرا من هذا الاعتبار ويمكنهم أن يحتجوا بهذه الآية على نفي كونه جوهرا من وجه آخر، وبيانه هو أن الأحد كما يراد به نفي التركيب والتأليف في الذات فقد يراد به أيضا نفي الضد والند، ولو كان تعالى جوهرا فردا لكان كل جوهر فرد مثلا له، وذلك ينفي كونه أحدا، ثم أكدوا هذا الوجه بقوله تعالى: ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص 4] ولو كان جوهرا لكان كل جوهر فرد كفوا له؛ فدلت هذه السورة من الوجه الذي قررناه على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر، وإذا ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر وجب أن لا يكون في شيء من الأحياز والجهات؛ لأن كل ما كان مختصا بحيز وجهة، فإن كان منقسما كان جسما، وقد بينا إبطال ذلك وإن لم يكن كان جوهرا ولما بطل القسمان ثبت أنه يمتنع أن يكون في جهة أصلا، فثبت أن قوله أحد يدل دلالة قطعية على أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا في حيز وجهة أصلا.