الوجه الرابع: أن قوله: لأن الجسم أقله أن يكون مركبا [ ص: 203 ] من جوهرين، هذا إنما يتم على رأي المثبتين للجوهر الفرد وإلا فنفاته عندهم الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركبا من الجواهر المنفردة، وهذا المصنف قد صرح في أشرف كتبه عنده أن هذه المسألة متعارضة من الجانبين وهو لما أقام أدلته على إثبات الجوهر الفرد في هذا الكتاب في مسألة المعاد وزعم أنها قاطعة ثم ذكر المعارضات، قال في الجواب: أما المعارضات التي ذكروها فاعلم أنا نميل إلى التوقف في هذه المسألة بسبب تعارض الأدلة فإن إمام الحرمين صرح في [ ص: 204 ] كتاب التلخيص في أصول الفقه أن هذه المسألة من محارات العقول، وأبو الحسين البصري وهو أحذق المعتزلة توقف فيها؛ فنحن أيضا نختار التوقف فإذا لا حاجة بنا إلى الجواب عما ذكروه.
فإذا كان أذكى المتأخرين من الأشعرية النافية للصفات الخبرية وإمامهم وهو أبو المعالي وأذكى متأخري المعتزلة [ ص: 205 ] وهو أبو الحسين وابن الخطيب إمام متبعيه توقفوا في كون الجسم هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي لا تنقسم أم ليس مركبا منها كانت هذه المقدمة التي استدل بها مما يعلم صحتها أفاضل الطوائف المتبوعين الموافقين له؛ فقوله بتسليمهم ذلك حجة فاسدة، وأقل ما في ذلك أن هذه المقدمة ممنوعة فلا يسلم له منازعوه أن الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين، والنزاع في ذلك بين أهل الكلام بعضهم مع بعض وبين المتفلسفة أيضا مشهور وهو لم يذكر حجة على كونه مركبا فلا يكون قد ذكر دليلا أصلا.
فإن قيل: نفاة الجوهر الفرد يقولون إنه يقبل التقسيم والتجزيء إلى غير غاية، فما من جزء إلا وهو يحتمل التقسيم، فيكون عدم الوحدة في الجسم أبلغ على قولهم.
قيل: هؤلاء إن قالوا إن لفظ الواحد لا يقال إلا على ما لا يقبل القسمة وعندهم كل شيء قابل للقسمة، فهذا اللفظ عندهم ليس له مسمى معلوم متفق عليه أصلا؛ إذ مورد النزاع فيه من الخفاء والنزاع ما لا يصلح أن يكون اللفظ مختصا به؛ إذ [ ص: 206 ] اللفظ المشهور بين العامة والخاصة لا يكون مسماه ما قد تنازع الناس في إثباته ولا يعلم إلا بدقيق النظر إن سلم ثبوته.
وأيضا فهؤلاء يصرحون بأن الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركبا من جوهرين ولا من جواهر، وإذا كانوا يصفونه بالوحدة ويمنعون أن يكون مركبا لا من جوهرين امتنع أن تصح هذه الحجة على أصلهم.
فهذه الوجوه الأربعة تبين بطلان ما ذكره من دلالة اسم الأحد على نفي كونه جسما .