الوجه التاسع أن يكون بل إن كان صحيحا فإنما يعلم بهذه المقدمات الخفية التي فيها نزاع عظيم بين أهل الأرض، ومعلوم أن إفهام المخاطبين بمثل هذه الطريق لا يجوز، وليس هذا من البلاغ المبين الذي وصف الله به الرسول وقد وصف كتابه بأنه بيان للناس وليس هذا من البيان في شيء لا سيما والقوم كانوا يستعملون لفظ الواحد والأحد في كلامهم وهم لا يعلمون إلا الجسم أو ما قام به، لا يطلقون هذا اللفظ إلا على ذلك، فإذا قصد بهذا اللفظ أن يبين لهم أن معناه ما لا يكون جسما كانوا قد خوطبوا بنقيض معنى لغتهم، ولو فرض أن لغتهم لا تنفي هذا فهي لا تدل عليه [ ص: 210 ] بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام الظاهر، بل بلزوم خفي لا يصلح مثله لدلالة اللفظ؛ فإنه يحتاج أن يقال لهم لفظ الأحد والواحد ينفي العدد؛ فهذا ظاهر ثم يقال لهم: وكل ما ترونه وتعلمونه من الموجودات فليس هو واحدا؛ لأنه يمينه ليست بيساره وأعلاه ليس هو أسفله، وكل ما تميز منه شيء عن شيء فليس هو بواحد ولا أحد، ومعلوم أن هذا لا يخطر ببال عامة الخلق بل لا يتصورونه إلا بعد كلفة وشدة، وإذا تصوروه أنكرته فطرتهم وأنكروا أن يكون هذا هو لسانهم الذي خوطبوا به، واستلزم ذلك أن يقال الشمس ليست واحدة والقمر ليس واحدا، وكل كوكب من هذه الكواكب ليس واحدا وكل سماء من السموات ليست واحدة، وكل إنسان ليس بواحد وكل عين ويد ورجل وحاجب وأنف وسن وشفة ورأس وشجرة وورقة وثمرة وغير ذلك ليس بواحد؛ إذ هذا جميعه يميز جانب منه عن جانب وأعلاه عن أسفله . لفظ الأحد لا يقال على الجسم والجوهر ليس نصا في اللغة ولا ظاهرا