وكان أهل العلم والإيمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقهم، وأن وسائر ما جاءت به الكتب الإلهية وفيه أيضا قدح في نفس الرسالة فإن الرسل إنما جاءت بتبليغ كلام الله، فإذا قدح في أن الله يتكلم كان ذلك قدحا في رسالة المرسلين، فعلموا أن في باطن ما جاؤوا به قدحا عظيما [ ص: 519 ] في كثير من أصلي الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن المقصود بقولهم إن القرآن مخلوق أن الله لا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول، وبهذا تتعطل سائر الصفات من العلم والسمع والبصر محمدا رسول الله.
لكن كثيرا من الناس لا يعلمون ذلك كما أن كثيرا من الناس لا يعلمون باطن حال القرامطة لأنهم إنما يظهرون موالاة آل محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن كل مؤمن يجب عليه أن يواليهم، وإن أظهروا شيئا من التشيع الباطل الذي يوافقهم عليه الشيعة الذين ليسوا زنادقة ولا منافقين لكن فيهم جهل وهوى تلبس عليهم فيه بعض الحق، كما أن هؤلاء الجهمية وافقهم من العلماء والأمراء في بعض ما يظهرونه من لم يكن من الزنادقة المنافقين لكن كان فيهم جهل وهوى تلبس به عليهم نفاقهم العظيم.
قال الله تعالى في صفة المنافقين : [ ص: 520 ] لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم [التوبة 47] فأخبر الله أن المنافقين لا يزيدون المؤمنين إلا خبالا وإنهم يوضعون خلالهم أي يبتغون بينهم ويطلبون لهم الفتنة، قال الله تعالى : وفيكم سماعون لهم [التوبة 47] فأخبر أن في المؤمنين من يستجيب للمنافقين ويقبل منهم، فإذا كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان استجابة بعض المؤمنين لبعض المنافقين فيما بعده أولى.
ولهذا استجاب لهؤلاء الزنادقة المنافقين طوائف من المؤمنين في بعض ما دعوهم إليه حتى أقاموا الفتنة، وهذا موجود في الزنادقة الجهمية والزنادقة الرافضة والزنادقة الجامعة للأمرين، وأعظمهم القرامطة والمتفلسفة ونحوهم، فإن متقدمي الرافضة لم يكونوا جهمية بخلاف المتأخرين [ ص: 521 ] منهم فإنه غلب عليهم التجهم.