[ ص: 3 ] فصل
قال الرازي: البرهان الخامس هو أن الأرض كرة، فإذا [ ص: 4 ] كان كذلك بيان الأول أنه إذا حصل خسوف قمري فإذا سألنا سكان أقصى المشرق عن ابتدائه قالوا: إنه حصل في أول الليل، وإذا سألنا سكان أقصى المغرب قالوا: إنه حصل في آخر الليل، فعلمنا أن أول الليل في أقصى المشرق هو بعينه آخر الليل في أقصى المغرب، وذلك يوجب كون الأرض كرة. وإنما قلنا إن الأرض لما كانت كرة امتنع كون الخالق في شيء من الأحياز، وذلك أن الأرض إذا كانت كرة فالجهة التي هي فوق بالنسبة إلى سكان أهل المشرق هي تحت بالنسبة إلى سكان أهل المغرب، وعلى العكس، امتنع كونه تعالى في الحيز والجهة. بيننا وبين الخصم فثبت أنه يمتنع كونه مختصا بالجهة. فلو اختص الباري بشيء من الجهات لكان تعالى في جهة التحت بالنسبة إلى بعض الناس، وذلك باطل بالاتفاق
والكلام على هذا أن يقال: هذا الذي ذكره مبني على أن الأرض مستديرة والأفلاك مستديرة. وهذا القدر قد ينازعه فيه [ ص: 5 ] بعض الناس، فإن من أهل الكلام من نازعه فيه ودفع كون الأفلاك مستديرة، كما فعل بعض من رد عليهم في كتاب الدقائق وغيرهم، وكذلك قد يدفع ذلك بعض من ينتسب إلى العلم ولربما حصل هذا من أقوال المنجمين التي تخالف الشرع، وكذلك المتكلم قد ينازع في هذا بطرق جدلية، وكذا المتفقه قد ينازع في هذا زعما منه أن هذا مخالف للشريعة، وليس مع واحد منهما دليل شرعي ولا عقلي يخالف ذلك ولا يمنع كون الأفلاك مستديرة، ولا ينقل عن أحد من أئمة الإسلام وعلمائه النزاع في ذلك بل قد ذكر غير واحد من علماء المسلمين مثل الشيخ أبي الحسين بن [ ص: 6 ] المنادي أحد العلماء المشاهير ذوي التصانيف الكثيرة من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد.
ومثل أبي محمد بن حزم، ومثل إجماع المسلمين على أن الأفلاك مستديرة، أبي الفرج ابن الجوزي وأبو [ ص: 7 ] الحسين من أعظم الناس اطلاعا، وكذلك هؤلاء. وإذا ذكر هو أو غيره إجماع علماء المسلمين على أن الأفلاك مستديرة كان من نازع بعد هذا الإجماع من متكلم ومتفقه وغيرهما مسبوقا بالإجماع، وما علمت منازعا في ذلك إلا نقل الإجماع الذي ذكره أبو الحسين بن المنادي. وإن كان قد نقل عن بعض السلف نزاع في حركة الأفلاك لكن ما علمت عنهم نزاعا في استدارتها.
[ ص: 8 ]