الوجه العاشر: أن فإن كانت عدمية لم يجز أن توصف بعلو على العالم ولا سفول، ولا يقال: إن علو الباري تبع لها ولا أنه محتاج إليها ولا شيء من هذه الأمور، فبطلت الحجة. الجهة والحيز إما أن تكون وجودية أو عدمية.
فمن المعلوم أنه إذا قدر تيامن الرب وتياسره، فتقدير تيامن ذلك الشيء الموجود المسمى بالحيز والجهة أولى بالتيامن والتياسر، فإن ذلك إن كان من صفات الرب الداخلة في مسمى اسمه فهي تبع له، وإن كان [ ص: 174 ] شيئا منفصلا كالعماء أو العرش أو ما يقدر. فإن تقدير التحول على هذا أولى من تقديره على الله، فإن انتقال هذا وتحوله أولى بالجواز من انتقال الله تعالى وتحوله، ولهذا لم ينازع في هذا المسلمون الذين ينازعون في جواز الحركة والانتقال على الله، بل يجوزون ذلك على العرش وغيره وينازعون في جوازه على الله فظهر أن تقدير تيامن الحيز والجهة وتياسره أولى من [ ص: 175 ] تقدير ذلك في الرب. وإن كان الحيز والجهة أمرا وجوديا
وإذا كان كذلك فقوله: " إنه بتقدير أن يحصل ذات الرب في يمين العالم أو يساره لا يكون موصوفا بالعلو، وتلك الجهة التي في جهة العلو لا يمكن فرضها خالية عن العلو". باطل قطعا بل إن كانت شيئا يحتمل الصفات بوصف بالعلو؛ ويكون في الجهة فإن خلوه عن صفة العلو أولى من خلو الله عن صفة العلو على كل تقدير، وإن كان شيئا لم يحتمل هذه الصفة ولا يكون في جهة فهذا عدم لا يقال فيه: إنه عال عن العالم، فضلا عن أن يقال: إن علوه لذاته وعلو الباري تبع له.