وأما السؤال الثامن: فقوله في المعارضة: " إن المقتضي لقبول الانقسام في الجوهر والعرض لو كان هو الوجود لزم في الجوهر وحده أن يقبل الانقسام إلى الجوهر والعرض، وكذلك في العرض وهو. فيقال: هذا غلط ظاهر ومغالطة قبيحة، وذلك أن هذا الموجود إما أن يراد به الموجود المعين الخارجي فيكون المعنى أن يلزمه أحد الحكمين: إما المحايثة وإما المباينة، لا يقال فيه: إنه منقسم إليهما، وعلى هذا فالجوهر الموجود يلزمه أحدهما، والعرض الموجود يلزمه أحدهما. وإما أن يراد به الوجود المطلق الكلي الذي هو مورد التقسيم إلى الأقسام، فهذا إذا قيل: إنه ينقسم إلى محايث ومباين، فهو كقولنا: ينقسم إلى جوهر وعرض. ولا يلزم من قبول القسمة أن يكون أحد قسميه القسمة التي يقبلها هو، بل هذا جمع بين النقيضين.
وأما قوله في السؤال التاسع: " إن هذا الدليل قائم في صور كثيرة مع أن النتيجة اللازمة عنه باطلة، وهذا يدل على أنه منقوض، وبيانه من وجوه:
[ ص: 379 ] الأول: أن فتكون صحة الحدوث حكما مشتركا فلا بد لها من علة مشتركة، والمشترك الحدوث أو الوجود. والحدوث لا يكون علة صحة نفسه، فوجب كونها معللة بالوجود، فيلزم أن يكون الله محدثا". كل ما سوى الله محدث،
فيقال: صحة الحدوث ليست من أحكام الأمور الوجودية، بل من أحكام الأمور التي يمكن وجودها، سواء كانت موجودة أو لم تكن بخلاف المحايثة والمباينة، فإنها مختصة بالوجود دون العدم. وأما صحة الحدوث فهي مشتركة بين الوجود الممكن وبين كل معدوم ممكن، فبينها وبين لزوم المحايثة أو المباينة عموم وخصوص، إذ صحة الحدوث يعم المعدوم الممكن بخلاف لزوم المحايثة والمباينة، وبخلاف الرؤية، وأما لزوم المحايثة أو المباينة والرؤية فلا يعلم انتفاؤه عن الله بخلاف صحة الحدوث، فإنه يعلم بالضرورة انتفاؤه في حق الله تعالى، وإذا كان كذلك فيجب أن تكون علة صحة الحدوث ما يطابقه في العموم، وذلك ليس هو الحدوث فإنه أخص منه، إذ ليس كل ما صح حدوثه كان محدثا، ولا الوجود فإنه ليس كل موجود يصح حدوثه. والمطابق له هو الإمكان الخاص، فصحة الحدوث معللة بعلة مشتركة وهي الإمكان الخاص، وهذه علة [ ص: 380 ] مطردة منعكسة كتعليل الموجود بالرؤية وبلزوم المحايثة والمباينة.