وأيضا: وأن اختيارهم وقدرهم التي تكون بها أفعالهم كثيرة التحول والتغير، فإن أحدهم لا يستقل وحده بفعل شيء قط، بل لابد من أسباب أخر خارجة عن قدرته يكون الأمر بالمجموع، ثم إن مع وجود تلك الأسباب منه، ومن غيره، يكون لها معارض وعوائق ومعارضات، ثم إن مع وجود تلك الأسباب وانتفاء موانعها قد استغني عنها بكفوها ونظيرها، ويحصل المقصود من غيرها مثل ما يحصل منها، وكل سبب لا يكون له ... ما من سبب إلا وله كفو يكون عنه بدلا وعوضا، [ ص: 237 ] فإذا انتفى أمكن حصول الأثر بكفوه، والله تعالى ما لم يشأ لم يكن، وظهورها في الأسباب الخاصة مثل عطاء الآدميين ومنعهم وضرهم ونفعهم من الملوك وغيرهم واضح جدا، فإنه -مع أن قلوبهم بيد الله - هو الذي يقلبها كيف يشاء، وكذلك الشمس وما يكون بها من نهار وبعدمها من ليل، فإنه لا يدعي أحد قط إضافتها إلى غير الله، ولهذا قال كالرسول المرسل الذي هو خاتم الرسل الذي لا يمكن العباد أن يستغنوا عما جاء به من البينات والهدى، فإنه نفسه معترف بأنه عبد الله ورسوله، وأن الله هو الذي أعطاه هذا، الخليل عليه السلام: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب [البقرة: 258] وقال تعالى: قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ ص: 238 ] [القصص: 71-73].