قوله: "من المعلوم بالضرورة أن المؤثر إذا حصل مع جميع الأمور التي باعتبارها تتم مؤثريته؛ فإنه يستحيل تخلف الأثر عنه".
يقال: هذه قضية كلية؛ مضمونها أن كل مؤثر تام، فإنه يستحيل تخلف الأثر عنه، والقضية الكلية لابد لها من أفراد غير مورد النزاع، الذي يراد الاستدلال عليه بها.
إلا [ ص: 245 ] ويمكن تخلف أثره عنه، سواء في ذلك المؤثرات الاختيارية والطبيعية، فإذا لم نشهد في العالم مؤثرا يجب وجوبا عقليا أن يقترن به الأثر المنفصل عنه، فكيف يعلم أن المؤثر التام يجب اقتران الأثر به فضلا عن أن يكون ذلك معلوما بالضرورة، وهو حكم لا نظير له، ومورد النزاع غير معلوم. ومعلوم أن الوجود كله ليس فيه مؤثر تام غير الله أصلا؛ بل لا يصدر عن شيء واحد من المخلوقات أثر أصلا، ولا يصدر إلا عن شيئين فصاعدا، وليس من المخلوقات ما يقال إنه مؤثر،
فإن قال: أريد بالمؤثر التام ما يجب عند وجود الأثر كان التقدير المؤثر الذي لا يتخلف عنه أثره، إما أن يكون حاصلا في الأزل أو لا يكون.
والجواب أن هذا ليس بحاصل في الأزل ولا في الموجودات المشهودة مؤثر لا يتخلف عنه أثره وتحرير هذا الوجه أن جميع ما يفرض من المؤثرات المشهودة، يمكن وجودها عقلا مع عدم أثرها، وليس في العالم مؤثر واحد يوجب أثرا أصلا؛ وإنما التأثير عقب شيئين كما تقدم بيانه، ووجود تلك الأسباب بدون ذلك الأثر ممكن، فإذا لم يحكم العقل حكما قاطعا بأن ما يعرفه من المؤثرات يوجب الآثار وجوبا يمتنع فكاكه لم يكن له سبيل إلى أن يحكم بوجوب مقارنة الأثر للمؤثر: الوجوب العقلي أصلا، ويعود الأمر إلى أن يقال: فإذا صدر عنه الأثر تارة، ولم يصدر أخرى كان تخصيصا بغير مخصص. وهذا هو الذي قدمنا الكلام عليه فقلنا إنهم أثبتوه في حق الله بالقياس على خلقه مع وجود الفارق، ويمكن تلخيص هذا الجواب بأن يقال في:
[ ص: 246 ]