الوجه التاسع: أنه لا ريب أن لذاته خصوصية يتميز بها عن سائر الذوات؛ إذ الوجود المطلق الذي لا اختصاص فيه بشيء دون شيء إنما وجوده في الذهن لا في الخارج بينهم وهو القدر المشترك بين الموجودات، فإن المطلق بشرط الإطلاق لا وجود له في الخارج بالاتفاق، والمطلق لا بشرط لا يوجد أيضا في الخارج مطلقا بالاتفاق.
وإن كان المتفلسفة يتناقضون في هذا الموضع فيجعلون الوجود الواجب هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، ويجعلون مورد التقسيم بين الواجب والممكن الذي هو موضوع العلم الإلهي عندهم: الوجود المطلق لا بشرط، وقد دخل معهم في هذا التناقض أهل الوحدة كابن سيناء كابن عربي وابن سبعين وأمثالهم [ ص: 275 ] ممن يقول بأن الوجود واحد، وهو الله، سواء فسر بهذا أو بهذا، فمن فسره بالمطلق بشرط الإطلاق لزمه أن يكون معدوما في الخارج، ومن فسره بالمطلق لا بشرط فغايته أن يجعله وجود المخلوقات أو جزءا منها أو حالا فيها، وكل ذلك من أبين الأقوال فسادا في العقل وأظهرها كفرا في الدين.
وعلماء النظار كالقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي المعالي قد بينوا فساد قول من يجعله وجودا مطلقا فيقول: كل موجود فله حقيقة يختص بها ويتميز بها ويباين بها غيره، وإذا كان كذلك فكونه بتلك الحقيقة الخاصة [ ص: 276 ] المباينة لغيرها في حقيقتها المخالفة لما سواها في ماهيتها، إن قيل لابد له من موجب فلا موجب له سوى الذات نفسها فهي الموجبة لما هي عليه بنفسها، ووجودها على ما هي عليه واجب بها لا بغيرها، وإن قيل: لا موجب له بمعنى أنه لا موجب -لتلك الحقيقة والخاصية- منفصل عنها فهو أيضا صحيح، وإنما المقصود أن تلك الحقيقة الخاصة واجبة الوجود بنفسها لا يجوز أن يطلب لها سبب منفصل عنها؛ بل طلب ذلك إنكار لواجب الوجود بنفسه، وإنكار الوجود الواجب يستلزم إنكار الموجود كله؛ إذ الموجود إما أن يكون واجبا أو ممكنا، والممكن لابد له من واجب، فلابد في الوجود من واجب، وإذا كان إنكار الاختصاص الواجب بنفسه يقتضي إنكار واجب الوجود وإنكار [ ص: 277 ] الموجود بالكلية كان هذا أعظم السفسطة، وإذا كان الأمر كذلك كان طلب علة علمه ومشيئته وقدرته وسائر صفاته الواجبة له كطلب علة ذاته؛ وهو محال، فالأول مثله، فقول القائل: لم فعل بعد أن لم يكن فعل، كقول القائل لم فعل ولم شاء، وذلك كقوله لم كان، وهذه كلها أسولة باطلة، لأنها تنافي وجوب الوجود، ويتقرر ذلك: والغزالي