ومن ذلك : أن الناس - قديما وحديثا - لم يزالوا يعتمدون على قول الصبيان المرسل معهم الهدايا ، وأنها مبعوثة إليهم ، فيقبلون أقوالهم ، ويأكلون الطعام المرسل به ، ويلبسون الثياب ، ولو كانت أمة لم يمتنعوا من وطئها ، ولم يسألوا إقامة البينة على ذلك ; . اكتفاء بالقرائن الظاهرة
ومن ذلك : أن الضيف يشرب من كوز صاحب البيت ، ويتكئ على وساده ، ويقضي حاجته في مرحاضه من غير استئذان باللفظ له ، ولا يعد بذلك متصرفا في ملكه بغير إذنه .
ومن ذلك : أنه يطرق عليه بابه ، ويضرب حلقته بغير استئذانه ، اعتمادا على القرينة العرفية ومن ذلك : أخذ ما يسقط من الإنسان مما لا تتبعه همته ، كالسوط والعصا والفلس والتمرة .
ومن ذلك : أخذ ما يبقى في القراح والحائط من الأمتعة والثمار بعد تخلية أهله له وتسييبه ومن ذلك : أخذ ما يسقط من الحب عند الحصاد ، ويسمى اللقاط ، ومن ذلك : أخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه من الطعام والخرق والخزف ونحوه .
ومن ذلك : قول أهل المدينة - وهو الصواب - أنه لا يقبل ; لتكذيب القرائن الظاهرة لها . قول المرأة : إن زوجها لم يكن ينفق عليها ولا يكسوها فيما مضى من الزمان
وقولها في ذلك هو الحق الذي ندين الله به ، ولا نعتقد سواه ، والعلم الحاصل بإنفاق الزوج وكسوته في الزمن الماضي اعتمادا على [ ص: 21 ] الأمارات الظاهرة أقوى من الظن الحاصل باستصحاب الأصل وبقاء ذلك في ذمته بأضعاف مضاعفة .
فكيف يقدم هذا الظن الضعيف على ذلك العلم الذي يكاد يبلغ القطع ؟ فإن هذه الزوجة لم يكن ينزل عليها رزقها من السماء ، كما كان ينزل على مريم بنت عمران ، ولم تكن تشاهد تخرج من منزلها تأتي بطعام وشراب ، والزوج يشاهد في كل وقت داخلا عليها بالطعام والشراب ، فكيف يقال : " القول قولها " ويقدم ظن الاستصحاب على هذا العلم اليقيني ؟ والله أعلم .
ومن ذلك : أن ، جاز له الإقدام على الأكل ، وإن لم يأذن له لفظا ، اعتبارا بدلالة الحال الجارية مجرى القطع ومن ذلك : { صاحب المنزل إذا قدم الطعام إلى الضيف ووضعه بين يديه إذن النبي صلى الله عليه وسلم للمار بثمر الغير . أن يأكل من ثمره ولا يحمل } اكتفاء بشاهد الحال ، حيث لم يجعل عليه حائطا ولا ناطورا .
ومن ذلك : جواز بحيث لا ينقطع منها المارة . وكذلك الصلاة فيها ، ولا يكون ذلك غصبا لها ولا تصرفا ممنوعا . قضاء الحاجة في الأقرحة والمزارع التي على الطرقات
ومن ذلك : ، وإن لم يعلم الشارب إذن أربابها في ذلك لفظا اعتمادا على دلالة الحال ، ولكن لا يتوضأ منها ، لأن العرف لا يقتضيه ، ودلالة الحال لا تدل عليه ، إلا أن يكون هناك شاهد حال يقتضي ذلك فلا بأس بالوضوء حينئذ . الشرب من المصانع الموضوعة على الطرقات
ومن ذلك : ، اكتفاء بشاهد الحال ودلالته . القضاء بالأجرة للغسال والخباز والطباخ والدقاق وصاحب الحمام والقيم ، وإن لم يعقد معه عقدة إجارة
ولو استوفى هذه المنافع ولم يعطهم الأجرة لعد ظالما غاصبا ، مرتكبا لما هو من القبائح المنكرة .
ومن ذلك : انعقاد ، من غير لفظ ، اكتفاء بالقرائن والأمارات الدالة على التراضي ، الذي هو شرط في صحة البيع . التبايع في سائر الأعصار والأمصار بمجرد المعاطاة