قال : وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صياح ابن إسحاق ابن الأكوع يصرخ بالمدينة «الفزع الفزع» . فترامت الخيول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أول من انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفرسان وهو الذي يقال له المقداد بن عمرو ، ابن الأسود حليف بني زهرة ، زاد محمد بن عمر - نقلا عن عمارة بن غزية ، وابن سعد - فنودي «يا خيل الله اركبي» ، وكان أول ما نودي [ ص: 97 ] بها - كذا قال ، وزاد ابن عائذ عن أن أول ما نودي «يا خيل الله اركبي» في غزوة قتادة : بني قريظة ، وهي قبل هذه عندهم .
قال محمد بن عمر : وكان المقداد يقول : لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة لا تقر ضربا ضربا بيدها ، وصهيلا ، فأقول : والله إن لها لشأنا ، فأنظر إلى آريها فإذا هو مملوء علفا ، فأقول : عطشى فأعرض عليها الماء فما تريده . فلما طلع الفجر أسرجتها ولبست سلاحي ، ثم خرجت حتى أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح ، فلم أر شيئا ، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته ، ورجعت إلى بيتي ، والفرس لا تقر ، فوضعت سرجها والسلاح واضطجعت ، فأتاني آت فقال : إن الخيل قد صيح بها ، فخرجت .
قال : ثم كان أول فارس وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ابن إسحاق المقداد من الأنصار عباد بتشديد الموحدة ابن بشر - بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ، وسعد بسكون العين - بن زيد ، وأسيد - بضم أوله وفتح ثانيه - ابن ظهير - وهن - تصغير ظهر - بظاء معجمة مشالة ، ومحرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة فراء مكسورة فزاي ابن نضلة بالنون وسكون الضاد المعجمة ، وربيعة بن أكثم بالثاء المثلثة ، وعكاشة بتشديد الكاف وتخفيفها ابن محصن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وأبو عياش بالتحتية والشين المعجمة الزرقي ، وأبو قتادة فلما اجتمعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عليهم سعد بن زيد ، ثم قال : «اخرج في طلب القوم حتى «ألحقك بالناس» .
وقال محمد بن عمر ، وابن سعد : عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمقداد لواء في رمحه ، وقال : «امض حتى تلحقك الخيول ، وأنا على أثرك»
قالا : والثبت عندنا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر على هذه السرية سعد ابن زيد الأشهلي ، ولكن الناس نسبوها للمقداد ، لقول غداة فوارس حسان . . المقداد . فعاتبه سعد بن زيد فقال : اضطرني الوزن إلى المقداد .
قال : وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني عن رجل من ابن إسحاق بني زريق - لأبي عياش : «يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم» ، قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ، وضربت الفرس ، فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «لو أعطيته أفرس منك» وأنا أقول : أنا أفرس [ ص: 98 ] الناس ،
فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص وكان ثامنا ، أو عائذ - بالتحتية والمعجمة ابن ماعص بعين مكسورة فصاد مهملتين .
وذكر أن الطبري معاذ بن ماعص وأخاه قتلا يوم بئر معونة شهيدين كما سيأتي في السرايا ، وبعض الناس يعد أحد الثمانية ويسقط سلمة بن الأكوع أسيد بن ظهير - والله أعلم أي ذلك كان ، فخرج الفرسان حتى تلاحقوا ، وكان أول من لحق بالقوم محرز بن نضلة ، وكان يقال له الأخرم بخاء معجمة ساكنة وراء ، ويقال له قمير - بضم القاف وفتح الميم .
وإن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جامحا ، فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل - حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به : يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين ؟ قال : نعم ، فأعطيته إياه ، فخرج عليه ، فلم يلبث أن بذ الخيل بجماحة حتى أدرك القوم ، فوقف بين أيديهم ، ثم قال : قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار ، فحمل عليه رجل منهم فقتله ، وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على آرية في بني عبد الأشهل .
قال فما برحت من مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر ، فإذا أولهم سلمة بن الأكوع : الأخرم الأسدي ، وعلى أثره أبو وعلى أثره قتادة ، المقداد بن الأسود الكندي ، فولى المشركون مدبرين ، قال سلمة : فنزلت من الجبل ، وأخذت بعنان فرس الأخرم ، وقلت : يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، قال : يا سلمة ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ، وتعلم أن الجنة حق والنار حق ، فلا تحل بيني وبين الشهادة . فخليته ، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعثر بعبد الرحمن فرسه ، وطعنه عبد الرحمن فقتله . وتحول على فرسه ، ولحق فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين ، فعقر بأبي قتادة ، وقتله وتحول أبو قتادة ، إلى الفرس . أبو قتادة
وروى محمد بن عمر عن قال صالح بن كيسان ، محرز بن نضلة قبل أن يلقى العدو بيوم : رأيت السماء فرجت لي حتى دخلت في السماء الدنيا ، حتى انتهيت إلى السماء السابعة ، ثم انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فقيل لي : هذا منزلك ، فعرضتها على الصديق - وكان من أعبر الناس - فقال : أبشر بالشهادة . فقتل بعد ذلك بيوم . أبي بكر
قال سلمة : ثم خرجت أعدو في أثر القوم فو الذي أكرم وجهه حتى ما أرى من ورائي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم شيئا ، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد ، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه ، وأسندوا في [ ص: 99 ]
الثنية «ثنية ذي بئر» وغربت الشمس ، وألحق رجلا فأرميه وقلت :
خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
قال : فقال يا ثكل أم الأكوع بكرة فقلت : نعم أي عدو نفسه .وكان الذي رميته بكرة ، فأتبعته بسهم آخر فعلق به سهمان ، وخلفوا فرسين ، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
قال : ولما تلاحقت الخيل قتل ابن إسحاق أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه ببرده ، ثم لحق بالناس ، وقال محمد بن عمر ، وابن سعد : وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن . وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، فالله أعلم . وأدرك عكاشة بن حصن أوبارا ، وابنه عمرو بن أوبار وما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا ، واستنقذوا بعض اللقاح .
وروى عن البيهقي عبد الله بن أبي قتادة : أن أبا قتادة اشترى فرسه من دواب دخلت المدينة . فلقيه مسعدة الفزاري فقال : يا أبا قتادة ، ما هذا الفرس ؟ فقال فرس أردت أن أربطها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما أهون قتلكم وأشد حربكم ، قال أبو قتادة : أما إني أسأل الله - تعالى - أن يلقينك وأنا عليها فقال آمين وكان أبو قتادة : ذات يوم يعلف فرسه تمرا في طرف بردته إذ رفعت رأسها وأصرت أذنيها ؟ فقال : أحلف بالله لقد أحست بريح خيل : فقالت له أمه : والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية ، فكيف حين جاء الله أبو قتادة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثم رفعت الفرس أيضا رأسها ، وأصرت أذنيها ، فقال : أحلف بالله لقد أحست بريح خيل . فوضع سرجها فأسرجها ، وأخذ بسلاحه ، ثم نهض حتى أتى مكانا يقال له الزوراء فلقيه رجل من أصحابه ، فقال له : يا أبا قتادة ، تشوط دابتك ، وقد أخذت اللقاح . وقد ذهب النبي في طلبها وأصحابه ؟ ! فقال : أين ؟ فأشار إليه نحو الثنية . فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه جلوس عند ذباب ، فقمع دابته ، ثم خلاها ،
فمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : «امض يا أبا قتادة صحبك الله»
قال فخرجت فإذا بإنسان يحاكيني فلم ننشب أن هجمنا على العسكر ، فقال لي : يا أبو قتادة : أبا قتادة ما تقول ؟ أما القوم فلا طاقة لنا بهم ، فقال له تقول : إني واقف حتى يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد أن تشد في ناحية وأشد في ناحية ، فوثب أبو قتادة : فشق القوم . فرموه بسهم ، فوقع في جبهته ، قال أبو قتادة فنزعت قدحي ، وأظن أني قد نزعت الحديدة . ومضيت على وجهي فلم أنشب أن طلع علي فارس على فرس فاره وعليه مغفر له فأثبتني ولم أثبته . قال : لقد ألقانيك الله يا أبو قتادة : أبا قتادة وكشف عن وجهه وأداة كليلة . على وجهه فإذا هو مسعدة الفزاري ، فقال : أيما أحب إليك مجالدة أو مطاعنة أو مصارعة ؟ قال : فقلت : ذا [ ص: 100 ]
إليك ، قال فقال : صراع ، فأجال رجله على دابته ، وأجلت رجلي على دابتي ، وعقلت دابتي وسلاحي إلى شجرة ، وعقل دابته وسلاحه إلى شجرة ، ثم تواثبنا ، فلم أنشب أن رزقني الله - تعالى - الظفر عليه ، فإذا أنا على صدره ، فو الله إني لمن أهم الناس من رجل متأبط قد هممت أن أقوم فآخذ سيفي ، ويقوم فيأخذ سيفه ، وإنا بين عسكرين لا آمن أن يهجم على أحدهما ، إذا بشيء مس رأسي ، فإذا نحن قد تعالجنا ، حتى بلغنا سلاح مسعدة فضربت بيدي إلى سيفه ، فلما رأى أن السيف وقع بيدي قال : يا أبا استحيني ، قلت : لا ، والله أو ترد أمك الهاوية . قتادة ،
قال : فمن للصبية ؟ قلت : النار . قال : ثم قتلته وأدرجته في بردي ، ثم أخذت ثيابه فلبستها ، ثم أخذت سلاحه ، ثم استويت على فرسه ، وكانت فرسي نفرت حين تعالجنا فرجعت إلى العسكر ، قال : فعرقبوها .
قال : ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فارسا ، قال فألحت إليهم فوقفوا ، فلما أن دنوت منهم حملت عليهم حملة وطعنت ابن أخيه طعنة دققت عنقه ، وانكشف من كان معه . وحبست اللقاح برمحي .